من السذاجة وحتى الغباء، التعامل مع المؤسسة العسكرية الجزائرية على أنها ذات الصورة التي كانت عليه في ستينات أو تسعينات القرن الماضي، اي الفاعل ما يريد بمعنى الأمر والنهي، وعلى الشعب التراوح بين التطبيل والطاعة من ناحية مقابل العقاب والعذاب للرافضين…
راهنا بمنطق "الآن وهنا"، المعادلة بين العمق الشعبي والمؤسسة العسكرية صارت إلى "توافق" بين الطرفين: كل يعرف حدوده ويعترف بالطرف الثاني. لا هذا يقرر مكان ذاك، ولا ذاك يدعي وصاية على هذا....
كما خرج عمق الشعب الجزائري يوم 22 فبراير الماضي تواقا إلى "الكرامة" وما يحتويه اللفظ وما يتفرع عنه من معان، فإن عمق الجيش الجزائري والقوة الماسكة للقرار مدرك بمعنى القناعة بل هو اليقين أن عهد "الانقلابات" (بكل معانيها) قد ولى وانقضى دون رجعة وإلى الأبد، وكذلك ذلك العهد الذي كان فيه الجيش "يد القمع" في يد من يجلس على سدة الحكم…
الديمقراطية التي تسير على دربها الجزائر راهنا، بدءا بالتخلص من السرطان الجاثم على كاهل الشعب والجيش، مطلب يشترك فيه من خرجوا يوم 22 فبراير وما تلى من اسابيع، مع عمق الجيش الوطني الشعبي القائم على كفاءات من جنود وضباط يؤمنون أنهم جيش جمهوري ونظامي، مهمته حماية البلاد والعباد، وليس التحول الى عصا في يد يحكم...
أيضا وفي قراءة للواقع الماثل امامنا من انسداد الافق السياسي الخطير، وأمام عجز منظومة بوتفليقة عن فهم واستيعاب المتغيرات وتحولها الى ما يشبه "تاجر البندقية" من تلاعب قميء بالوضع، وأمام عجز العمق الشعبي عن التحول من طاقة كامنة في الشوارع إلى قوة سياسية فاعلة ومؤثرة على منظومة العار الحاكمة، وأمام عجز المعارضات عن ان تكون الفاس الذي يقتلع الشجرة الخبيثة، يكون اللجوء الى الجيش الجزائري امرا طبيعيا بل مشروعا ومطلوبا، حين تأتي من مهام الجيش الحفاظ على جميع الجبهات بما فيها واهمها "الجبهة الداخلية"، اخطر الجبهات وأشدها حساسية…
من للسذاجة تلخيص الجيش الوطني الشعبي في شخص او منصب او قيادة. ڨايد صالح (لحديث عن الموقف وليس الشخص بالضرورة) لا ينطق نيابة عن ذاته أو من وحي راسه فقط، هو متحدث بلسان مئات الالاف من الجنود وضباط الصف والضباط، الذي رفضوا ويرفضون وسيرفضون التحول الى عصا في يد أي كان وكذلك الانخراط او بالأحرى السقوط في مستنقع السياسة، ليس من باب التعفف فقط، بل لإيمان راسخ بأن الجيش والمخابرات وكامل الأسلحة ستكون عشرات المرات أقوى في دولة ديمقراطية لا يُهان فيها المواطن ولا يُداس على طرف أي كان....
لذلك اي جدل عقيم وخوف مرضي حول العلاقة بين فخامة الشعب العظيم وجيشه الباسل، تنم عن جهل بالتاريخ وعجز عن قراءة الواقع وقصور عن الاستشراف…
كاتب رسائل بوتفليقة: من الغباء القاتل إلى الخروج المخزي:
حين نختصر المسافة الزمنيّة بين خروج الجماهير الهادرة يوم 22 فبراير ويوم إعلان بوتفليقة نيته الاستقالة، نجد أن مصلحة «منظومة بوتفليقة» بالمعنى الماكيافلي، يكمن في إعلان الاستقالة يوم 22 ليلا و23 صباحًا، لتنال هذه المنظومة ثمنًا أفضل بكثير من الخروج المخزي الذي هي بصدد الذهاب إليه.
منطق السقوط التدريجي والتراجع التكتيكي، مضرّ بمصالح هذه المنظومة و(الأهمّ) مضرّ بالبلاد، إلاّ إذا كان السعيد بوتفليقة ومن يقف خلفه داخل البلاد وخارجها مصمّم على تلغيم المشهد وإضاعة الوقت ومن ثمّة وضع المعادلة السياسيّة على كفّ عفريت…
الذكيّ الفطن والنبيه القادر على استشراف المشهد يدرك أنّ خروج يوم 22 فبراير أو على الأكثر الأسبوع الموالي أنّ هذه الجماهير غير قابلة للإرتشاء ولا تعرف الطمع ولا الخوف، ومن ثمّة لا تنفع معها، لا الجزرة ولا العصا.
هاجس سي «عبد القادر المالي» منذ صغره، يكمن في دخول التاريخ من بابه الواسع، وها هو يغادره من باب الخسران، حين لم يفهم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه وأنّ العمق الشعبي لن يتراجع قبل أن ترحل «طبقة السياسيّة» جمعاء…