نتنياهو يوظف تونس لضرب حق العودة

Photo

ليس من باب الحكمة والحصافة والمنطق أن يمر الرأي العام العربي، والتونسي بصفة خاصة، دون الوقوف مليّا عند تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بملاحقة العديد من الأقطار العربيّة التي هاجر منها اليهود إبان حرب 1948 وأحداث النكسة إلى فلسطين المحتلة.

الوعيد الإسرائيلي بمقاضاة الدول العربية بزعم طرد اليهود من بلدانهم عبر التضييق عليهم ودفعهم نحو المغادرة، لم يكن الأوّل من حيث التأريخ، فقد سبقته تهديدات مماثلة بعضها غير رسمية والبعض الآخر رسمية، ولكنها لم تَرْقَ إلى مستوى رئاسة الوزراء الإسرائيلية التي باتت اليوم تجاهر بهذا السقف العالي من التبجحّ السياسي والمغالطة التاريخية والتزوير الفعلي والرسمي لشواهد المكان والزمان.

يدرك بنيامين نتنياهو أنّ مقاضاة الدول العربية، وعلى رأسها مصر وتونس والجزائر، أمام القضاء الدولي والمنتظم الأممي لدفع تعويضات نقدية واعتبارية لليهـود العرب، لن تفضي إلى نتائج ملموسة.

ذلك أن الاعتداءات التي مست يهود تونس ومصر – وشمال أفريقيا بصفة عامة – تكاد لا تذكر ولم تكن ترمي إلى تهجيرهم، بقدر ما كانت ردّة فعل حيال مؤسسة الاقتراض الجشع وفق قول المؤرخ المصري عبدالوهاب المسيري، كما أن السلطات الرسمية كانت رادعة لكل اعتداء مس اليهود في صفتهم الدينية، وقد حالف التوفيق المؤرخ التونسي الهادي التيمومي في تتبع أحداث ردّة الفعل الزجرية للسلطات المحلية ضدّ “الهمّج والسوقة الذين أمعن فيهم الجلاّدون ضربا ولطما حتى باتوا عبرة في العاصمة والبوادي” بحسب تعبير مؤرخي تلك اللحظة الزمنية.

وقد تكون المفارقة الأكبر أن يهود شمال أفريقيا يعيشون في إسرائيل منذ العام 1948 إلى يوم الناس هذا تمييزا مناطقيّا وإثنيا، يكونون بمقتضاه مواطنين من الدرجة الثالثة من حيث الامتيازات القانونية والسياسية والمالية والعسكرية بعد الإشكناز والسفارديم، ويأتي في الدرجة الرابعة يهود الفلاشا واليمن.

وليس أدلّ على عدم وجود “مسألة يهودية” في تونس من قرينة تدفق الحجيج اليهود وغالبيتهم من فلسطين المحتلة على جزيرة جربة سنويا، إضافة إلى وجود جمعيات على صفحات فيسبوك تعنى بالجالية التونسية اليهودية في فلسطين المحتلة.

ولا تؤشر الوثائق المتبادلة بين تل أبيب وتونس وخاصة منها تلك في الفترة من العام 1996 إلى العام 1999، أي فترة التطبيع المتبادل وإنشاء مكتبيْ اتصال في “تل الربيع المحتل” والعاصمة تونس، إلى سعي إسرائيلي لتحريك ملفّ مزاعم التهجير اليهودي من تونس.

إذن من الواضح هنا، أن التجاء نتنياهو إلى هذا الملف كامن في سعيه إلى ضرب حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم المحتلة منذ 1867 – موعد إنشاء أوّل مستوطنة يهودية في جبل الكرمل – كحدّ تاريخي أقصى، و1922 وهي فترة تسريع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة عقب الحرب العالمية الأولى.

يدرك بنيامين نتنياهو أنّ العقبة الكأداء التـي تحـول دون إتمـام التسـويـة الفلسطينية الإسرائيلية وفق مقاربـة تل أبيب تتمثّل في حق اللاجئين، وهو الحق المقدس في ذاكرة الملايين من الشعب الفلسطيني الـذي على أساسـه بنيـت سرديات طويلة في القضيّة الفلسطينية، تبدأ من مفتاح البيت الفلسطيني العتيق، ولا تنتهي عند استحضار مقـولة العـودة الحق وهو خطّ أحمر يتلوه الأجداد على آذان الأحفاد.

كما يدرك أيضا أن الملف الوحيد الذي يمنع اليوم من تحقيق السلام الشامل وفق معادلة أرض 1967 مقابل السلام هو ملف عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها، وهو حقّ عجزت أمامه آلة التنازلات الفلسطينية وتوّقف حياله مسلسل الرضوخ الفلسطيني منذ اتفاقيات أوسلو في سبتمبر 1993 إلى يوم الناس هذا.

ضرب حق اللاجئين الفلسطينيين المقدّس بحقّ اللاجئين المزعوم والواهم، يمرّ وفق المقاربة الإسرائيلية عبر ابتزاز العواصم العربية وعلى رأسها تونس ومصر، ويكون نتاجه ضغط على منظمة التحرير الفلسطينية للتخلّص الناعم من “أعباء” حقّ اللاجئين، حقّا وحقيقة. وهو ما قد يكون بادرة حسن سلوك فلسطيني للانخراط في مسار تسوية جديد قد تكون باريس محطته المقبلة.

على الخارجية التونسية أن تدلي بموقف واضح وحازم حيال دعاوى نتنياهو الخطيرة والحساسة، سواء بالنسبة إلى مسألة تاريخية تمس شريحة من المجتمع التونسي، أو لقضية مقدسة في قيمة حقّ اللاجئين.

اليوم، أمام وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، استحقاق تاريخي تونسي وعربي، النجاح فيه يعني المحافظة على أدنى مقومات التضامن العربي ومقدرات صمود الشعب الفلسطيني داخل أرضه وفي الشتات، وهو ما قد يكون ترياقا لذاكرة تلازمية تربطه بسنوات إشرافه على مكتب العلاقات مع إسرائيل.هذا ما نرجو.. وهذا ما لا نرجّح.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات