رسائل ترامب لـ'ترويكا' شمال أفريقيا

Photo

لأوّل مرة تقريبا تصدر القيادة الأميركية في شمال أفريقيا “الأفريكوم” تصريحا واضحا وعلنيا حيال المشهدية العسكرية في ليبيا، يشير من جملة ما يشير إليه إلى رهان أميركي صريح على أحد الفرقاء العسكريين والسياسيين في ليبيا.

تصريح نائب القائد العام للأفريكوم، تيموثي ماكثير، الصادر نهاية الأسبوع الفارط والذي جاء فيه بالحرف أنّ القيادة العامة لقيادة القوات الأميركية في شمال أفريقيا “أفريكوم” تتابع التحركات العسكرية لميليشيات مسلحة ضد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في مدينة طرابلس، وأنّ القيادة ستتخذ أي إجراءات ضرورية لتأكيد أمن العاصمة بالتنسيق مع رئاسة الوفاق، وأنّها تحذّر من العواقب الوخيمة لأي تحركات تستهدف أمن المدينة.

اللافت أنّ البيان الصحافي، الذي لم يلتفت إليه كثيرا الإعلام المغاربي، يخرج الولايات المتحدة الأميركية من سياق الحرب على الإرهاب وهو عنوان تدخلها العسكري في سرت وغيرها من المناطق الأخرى، إلى سياق دعم طرف محليّ يحظى بالشرعية الدوليّة سواء عبر القنوات السياسية أو بالقوّة العسكريّة. بيان أفريكوم على إيجازه، وضع النقاط على عدّة محاور مهمة لا بدّ من الوقوف عندها:


- المحور الأوّل متمثّل في إعلان حكومة السراج الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي ولئن كان الفاعل السياسي فاقدا للمؤسسة العسكرية أو شبه العسكرية فإنّ واشنطن مستعدة لمدّه بالعون المسلّح اللازم.

- المحور الثاني متجسّد في اعتبار كافة التشكيلات العسكرية المحاربة لحكومة السراج بما فيها تلك التابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته أو القريبة منه، ميليشيات مسلحة لن تتوانى أميركا عن استهدافها.

- المحور الثالث متمثّل في عودة واشنطن للملف الليبي بأكثر قوّة ووزنا مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بالتوازي مع الدور الروسي المتعاظم في المشهدية الليبية.

لا شكّ أنّ البيان الصحافي للأفريكوم يتوجّه بالرسائل السياسية الواضحة والدقيقة إلى أكثر من عاصمة إقليمية ودوليّة. هنا لا يغيب المخاض السياسي المغاربي عن المقاربة الأميركية، ذلك أنّ الاجتماعات التونسية الجزائرية المصرية الدورية واللقاءات الماراثونية بالأطراف الليبية المتحاربة لا يمكنها أن تمرّ دون سقف أميركي ترتضيه واشنطن لنفسها ولحلفائها أيضا.

ترسل واشنطن، عبر الأفريكوم، لترويكا شمال أفريقيا بأن الحل لا بد أن يدور رحاه حول المجلس الرئاسيّ وأن يستند إلى اتفاق الصخيرات وألا يخلق شرعيّة سياسية وعسكرية رابعة تزيد من تعقيد مأساة حروب الشرعيات في ليبيا المعاصرة.

كما تؤكّد واشنطن لموسكو بالتحديد بأنّ “زمن الانكفاء” على الذات ولّى مع مغادرة أوباما الإدارة، وأنّها لن تقبل بتسويات تمرّ دون رضا وتأييد الساكن الجديد للبيت البيضاويّ، ولئن كانت موسكو تتبنّى الجيش الوطني برئاسة خليفة حفتر فإنّها تضع بيضها السياسي والعسكريّ في سلّة الحرس الرئاسيّ للسراج الذي سبق أن دعمته بـ54 مليون دولار كمساعدات عسكرية، ودعمته أكثر من مرة بضربات عسكرية للميليشيات الإرهابية في سرت وغيرها من المدن الليبية.

مسودات التفاهم التي كشفت عن أهمها دوائر اتخاذ القرار في القاهرة أخذت في الحسبان هذه الرسائل الأميركية، حيث أنّ محاور التسوية الليبية تقوم على مجلس عسكري يضمّ قادة من الحرس الرئاسي والجيش الوطني، إضافة إلى توسيع المجلس الرئاسي ليضم ممثلا عن الشرق وآخر من الجنوب مع الإبقاء على الرئاسة للسراج وتشكيل حكومة مصغرة.

ولعلنا لا نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ رسالة الأفريكوم تشير إلى عودة أميركية قوية للملف الليبي عبر أمرين اثنين؛ الأوّل رفض تعيين سلام فياض ممثلا للأمم المتحدة في ليبيا ما لم يُردف بقبول عربي بتعيين تسيبي ليفني نائبة للأمين العام الجديد للأمم المتحدة، والثاني الإشارة الذكية إلى أنّ واشنطن العسكرية باتت في قلب شمال أفريقيا عبر قاعدتين اثنتين؛ الأولى في جيبوتي والثانية في السنغال، وأن الثانية تشكل الضمانة العسكرية الحقيقية للحكومة الليبية القادمة وللاستقرار في المغرب العربي.

أن يختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاورة المغرب العربي وشمال أفريقيا بشكل عامّ عبر الأفريكوم وبرسائل تحذير ووعيد دليل على أنّ الولاية الترامبية ستكون بالكثير من الحديد وبالقليل من الحرير، ألم نقل إنّه “بوش الثالث”؟.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات