تونس.. الرباعي الفاشل والدولة العاجزة

Photo

أصل الداء في الأحزاب، ومكمن المرض في المحاصصة الحزبية وفي ثقافة الغنيمة، وإن كان من حل حقيقي فليكن في حكومة تكنوقراط حقيقية تحظى بثقة الأحزاب لا بإسقاطاتها وأوامرها.

8 حكومات كاملة و6 رؤساء حكومة، هي حصيلة الهشاشة السياسية في تونس ما بعد 14 يناير 2011 حيث يمضي الفاعل السياسي أسابيع في البحث عن رئيس للحكومة، الذي يستغرق بدوره أشهرا في اختيار فريقه الوزاري وسط مكاسرة سياسية تسمح بالمقايضة مرة وباستدارة النفوذ السياسي مرات عديدة.

وفي كل مرة، تتحوّل تونس، مصالح وشعبا، إلى غنيمة حرب يتقاتل حولها الفرقاء السياسيون لينتهي المطاف إلى فشل في منظومة الحكم وفي النظام الحاكم معا.

ينتظر التونسيون، السبت 30 يوليو الجاري، ميعاد تقديم كبش الفداء -ممثلا في الحبيب الصيد- كتغطية عن فشل الرباعي الحاكم في تحقيق أيّ من اهدافه السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

لن نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ مسار الفشل الذي اختاره الباجي قائد السبسي عند ترشيحه الأول للحبيب الصيد، والذي كان نصف تزكية/ نصف تعيين، حيث تحولت الحكومة إلى كعكة محاصصة حزبية ضيقة لم تراع مبدأ الكفاءة والجدارة، وموضوعة تحت رحمة تنسيقية الرباعي الحاكم، إلى درجة أنّ أي ارتجاج في البناء التنظيمي للأحزاب على شاكلة حزب نداء تونس أفضى في المحصلة إلى زلزلتها ومن ثمّة إسقاطها تحت عناوين شتّى.

إن رام الفاعل السياسي التونسي المساءلة الحقيقية والرصينة للحبيب الصيد فلا بدّ أن يكون سؤال الجدوى في مواصلة الحكم الحزبي الضيق لمجموعة أحزاب أظهرت ضعفا في تسيير دواليب الدولة وإفلاسا في اجتراح الحلول الإنقاذية، وأن يكون السؤال أيضا سؤال الجديّة والالتزام الأخلاقي، حيث ضرورة سحب المساءلة على كافة الفريق الحكومي، وعلى رأسهم وزراء الأحزاب السياسية الذين هم جزء من إخفاق الصيد في مهامه الموكولة له.

ذلك أنّه من التجني السياسي أن يواصل وزراء حكومة الفشل في الحكومة المقبلة، وأن تصدر أحزاب الرباعي بيانات سياسية لحجب الثقة عن حكومة الحبيب الصيد، فيما تستنكف عن سحب الثقة من وزرائها، والأنكى أنها تدعم البعض منهم لترؤس الحكومة المقبلة أيضا.

وكما تمّ تعيين الصيد لرئاسة الحكومة قبل تحديد برنامج حكومته، فإنّ رحلة البحث عن رئيس الحكومة المقبلة بدأت قبل صياغة البرنامج الشامل والكامل والمحدّد للحكومة المقبلة، حيث أنّ متن اتفاق قرطاج للأولويات فضفاض وعامّ ولا يرتقي إلى مستوى الرهان المحلي أو الراهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام.

فشل الحكومات المستمر والمتواصل في تونس يعود إلى 3 أسباب رئيسية، وهي أولا الفرق الكبير بين الخطاب الانتخابي والقدرة على الإنجاز على أرض الواقع، ثانيا المحاصصة السياسية والحزبية التي حولت الحكومات إلى رهينة لدى الأحزاب الفائزة في الحكم، ولم يحصل الفصل المنهجي والهيكلي والبنيوي بين العمل الحزبي من جهة، ومنظومة الحكم من جهة ثانية، وثالثا الواقع الإقليمي مجسدا في حالة الدولة الفاشلة التي ترزح فيها ليبيا وحالة ضعف الدولة في الجزائر وهوانها في تونس.

اتفاق قرطاج ولد ميتا لا فقط لأنه لم يحظ بالمعنى الحقيقي لمفهوم الوحدة الوطنية حيث من الضرورة تجميع الأصوات المعارضة قبل المؤيدة، وعلى رأسها الفريق النيابي للجبهة الشعبية وبعض الأحزاب النيابية وغير النيابية الأخرى، دون الاقتصار على 9 أحزاب و3 منظمات وطنية، وإنما أيضا لأنّه وثيقة إيهام بالوحدة الوطنية قصد إرضاء صناديق التمويل الدولية والجهات المانحة التي تضع شفرة سكين الوصاية على رقبة تونس التي توهمت يوما ما أنّها حصلت كرامتها في الداخل والخارج وأمنت مكانتها بين الدول والأمم.

أصل الداء في الأحزاب، ومكمن المرض في المحاصصة الحزبية وفي ثقافة الغنيمة، وإن كان من حلّ حقيقي فليكن في حكومة تكنوقراط حقيقية تحظى بثقة الأحزاب لا بإسقـاطاتها وأوامرها، أو اختبار ثقة الشعب التونسي في شرعية وشعبية من يمثلونه في باردو والقصبة على الأقل، وإعادة انتخاب من يراه الشعب مؤهلا لتمثيله النيابي، ذلك أنّ الإشكال أكبر من تجمّع سياسي ثلاثي أو رباعي عاجز عن الحكم، وأعجز عن إدارة دولة والحفاظ على ما تبقى من الثورة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات