الصيد وتكالب الأحزاب

Photo

في ليلة سقوط 'الصيد' سقطت أقنعة الذئاب السياسية والحزبية... نهشوا لحمه بإسقاط حكومته والتي فيها من الوزراء من حرّض عليه ومن يحضّر نفسه لخلافته.

لم تخرج جلسة سحب الثقة عن حكومة الحبيب الصيد من سياق كونها جلسة صيد وتصيّد سياسي للصيد ولفريقه الوزاري، حيث تفصّى الجميع من مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية حيال حكومة وزّعوا عليها قرابين الولاء والمديح وقدّموا لها ديباجات الدعم والمساندة، قبل أن يرموها بأسهم التقصير والضعف.

جلسة صيد حكومة الصيد عرّت الهنات الأخلاقية والسياسية للثنائي الحاكم في تونس، فرئيس الدولة يقدم مبادرة إسقاط رئيس الحكومة دون علم الأخير، وذئاب المناصب والمراتب تنهش لحم “الصيد” المترنّح مرّة بتهديده بـ”التمرميد”، وأخرى بالإيعاز إليه بالخروج صاغرا، فالورثاء كثيرون وكرسي القصبة لا يحتمل الشغور.

ذات المتربصين، شنّفوا الآذان لخطاب الحبيب الصيد وهم يخيطون كفن حكومته، وتبسّموا لكلمته ولجرعات الهمز واللمز في بعض حيثياتها وهم يحضرون لجنازته، وصفقوا لمقولات الجرأة للصيد وهم يصنعون تابوته، وأبدوا له الرضاء وفؤوسهم تحفر قبره وأثنوا عليه ثناء الرثاء بعد أن كبروا عليه أربع.

وكما تتكالب الذئاب الجوعى على “الأسد” المترهّل، تكالبت على الصيد أصوات سحب الثقة من أحزاب، ومن وزراء من حقّ الشعب أن يحاسبهم على السراب الانتخابي من عناوين التشغيل والتنمية الاقتصادية والسلم الاجتماعي، ومن واجب الشعب أيضا أن يسائلهم عن المديونية السابقة واللاحقة لصناديق النقد الدوليّة، وعن تضخّم الأسعار وتدهور سعر العملة، وعن فرضيات انسحاب الدولة من استحقاق التشغيل والصحة والتعليم وحتّى إكسير الخبز اليابس انسجاما مع مطالب الجهات الداعمة.

كانت لقاءات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مع الإعلاميين وممثلين عن المجتمع المدني تدور حول مقدّمات تغيير الفريق الحكومي للحبيب الصيد مجسّدا إياها بمقولة “الشارة الحمراء” اشتعلت وأن الوضع صار في غاية الخطورة.

وهي لقاءات على أهميتها وأهمية من كان في قبالة السبسي، لا تتنزّل إلا في سياق تعميم مسؤولية فشل الرباعي الحاكم على الفاعلين المدنيين والإعلاميين، وإلا فلماذا لم يستمع الرئيس إلى الصوت الإعلامي من محللين ومتابعين ورؤساء تحرير قبل تشكيل حكومة الصيد وقبل التحويرين الوزاريين؟

ولماذا اجتبى تشريك الصحافيين والمنظمات النقابية وأرباب الأعمال والفلاحين في الشأن العامّ فقط عندما صارت البدائل السياسية لدى السبسي تتراوح بين السيء والأسوأ، وعندما زجّ بالبلاد في مفترق طرق خطير يفضي الأوّل إلى هدنة اجتماعية قاسية قد تؤخّر الانفجار الاجتماعي ولكنها لن تأتي بالسلم الاجتماعي، ويؤدي الثاني إلى احتقان اجتماعي عام على وقع الفشل في التنمية وارتفاع نسب البطالة وتفشي الفساد في الإدارة ومؤسسات الدولة قد يحمل البلاد إلى حراك اجتماعي اقتصادي جديد مجهول العواقب والارتدادات.

اليوم، تدخل تونس رسميا مرحلة “ما بعد الصيد” حيث يبدأ الصيْد والتزلّف السياسي للفوز بمنصب رئاسة الحكومة، قبل أن تبدأ مرحلة أخرى من الصيد السياسي بين الأحزاب على الوزارات السياديّة والحقائب الخدماتية والشرفية، قبل أن نستهلّ مرحلة ثالثة من الصيْد السياسي حول برنامج الحكومة المفصّل وبرنامج كلّ وزارة على حدة.

وما بين رهانات الأحزاب الكبرى في المزيد من تجذير حكمها بالبرلمان والقصبة، وما بين حسابات الأحزاب الصغرى في الحصول على شريحة من الكعكة الحكوميّة أكبر من النصاب الانتخابي المتحصّل عليه، وما بين المتسلقين الجدد للمشهد السياسي المحلي على وقع “السياحة الحزبية”، يدفع المواطن، وحده، فاتورة العطب الأخلاقي والسياسي لدى الفاعلين السياسيين في تونس.

وحده المواطن سيدفع فاتورة المرحلة الانتقالية التي تضرب الإدارة بالاسترخاء وبالكثير من الاستهتار إلى حين التعيينات الجديدة، ووحده أيضا سيدفع تكاليف تأخير الانتخابات البلدية التي كان من المنوط بها تسريع المشاريع المحلية وإنقاذ المناطق الحدودية من نار الإرهاب ورمضاء التهريب.

ووحده أيضا سيدفع من دمه ولحمه ولحم أبنائه وأحلامهم أيضا فاتورة إملاءات صندوق النقد الدولي والتي ستمرّر تحت عناوين الإصلاحات الهيكلية القادمة.

في ليلة سقوط “الصيد” سقطت أقنعة الذئاب السياسية والحزبية... نهشوا لحمه بإسقاط حكومته والتي فيها من الوزراء من حرّض عليه ومن يحضّر نفسه لخلافته.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات