هي مجرد توقعات و التخمينات، أي ضرب من الخيال والوهم، لعبة إستغباء وإستحمار الموطن التونسي البسيط. تونس ستحقق نسبة نمو إقتصادي هامة جدا بعد إنتخابات 2014. عنوان مثير ومدهش، لا بل إنه عنوان يثير شهوة الحالمين بإنعكاس النمو الإقتصادي على المعيش اليومي للمواطن التونسي، فهذه النسبة الهامة للنمو الإقتصادي ستساهم في إنخفاض نسبة البطالة، وإنخفاض مستوى المعيشة، تحقيق الرفاهية المفقودة للمواطن التونسي.
كثيرا ما قرأنا مثل هذه التوقعات و الوعود في البرامج الإنتخابية و كثيرا ما روج لها رؤساء و الأمناء العاميين للأحزاب السياسية مبشرين بسنوات من الرخاء والنمو والإزدهار و الرفاهية، لكن الواقع وبعد سنتين على مرورالإنتخابات وفشل الحكومة الأولى وتولي الثانية منذ بضعة شهر يقول عكس ذلك، فكل هذه التوقعات بنيت على أسس شعبوية ومجانبة للواقع والحقيقة وكلها كانت وعود إنتخابية لسرقة أصوات الشعب المفقر بطرق لا تمت بصلة لأخلاقيات العملية السياسة واللعبة الديمقراطية، فنسبة النمو إنخفضت إلى صفر بالمائة تقريبا بالإضافة لتضخم المالي وإنخفاض الدينار وزيادة المديونية والبلاد تعيش على وقع إنهيار إقتصادي خطير.
أما على المستوى الإجتماعي، فكل يوم يمر منذ الإنتخابات وأعداد الفقراء في إزدياد، ومعدلات فقر الفرد والعائلة في تضخم. فمؤشرات التفقير على مرمى العين ومدى البصر، نسبة الإجرام في تصاعد، معدلات الإنتحار في إزدياد، أرقام الإنقطاع الدراسي والعزوف عن المدرسة صادمة حتى في المستوى الإبتدائي، منسوب التذمر هائل والإضرابات والإعتصامات في كل مكان و آخرها في الكاف و تطاوين، وفرص العمل تكاد تنعدم والبطالة في إرتفاع دائم ومتصاعد وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ الثورة ووزارة التشغيل خارج السياق فتارة تبشرنا ببرنامج” فرصتي ” و تتخلى عليه دون أن يرى النور، وتارة تتحدث عن ”عقد الكرامة ”و نحن ننتظر تفعيله على أرض الواقع ونتائجه في خفض نسبة البطالة.
أما على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن فيكفي أن تذهب لزيارة أحد المستشفيات العمومية سوف تعرف "وضع الصحة في تونس" لتقف بنفسك على مدى ما وصل إليه هذا القطاع الاجتماعي الحيوي فالمستشفيات في المناطق الداخلية تفتقر لطب الإختصاص و أغلب التجهيزات والآلات الطبية معطلة وما خفي كان أعظم.
أما في القطاعات الحيوية الأخرى فإنك تستطيع أن تقرأ في عيون المواطنين ما صنعته بهم فواتير الماء والكهرباء. هذا دون نسيان البنية التحتية التي تآكلت كالطرقات والسكك الحديدية مثلا و تهرم أسطول المواصلات العمومية، بالإضافة إلى مشكل الإكتظاظ. فتبحث عن الأسباب ذلك فتجد أن أهمها هو سوء التصرف و التسيير، و تفشي ظاهرة الفساد ونهب المال العام وإختلال التوازن الإجتماعي والتهرب الضريبي وغياب عدالة الجبائية…
تسويق الوهم والزيف والكذب وجميع فنون التلفيق والإستغباء و الإستحمار،لا يقتصر على مسؤولينا، إنها لعبة أممية تنهض بها مؤسسات دولية تصنع ما في وسعها لتظهر بمظهر المراقب النزيه، لكن يكفي أن نعود إلى ما كان قد صرح به أحد القتلة الاقتصاديين الأمريكيين جون بيركنز في كتابه ‘‘الإغتيال الإقتصادي للأمم‘‘، بعد صحوة ضمير مفاجئة، على الرغم من كتابات كبار الإقتصاديين العالميين قبله حول دور صندوق القد الدولي والبنك الدولي وكبريات المؤسسات الدولية المقرضة في تزييف الحقائق وبيع الأباطيل والأراجيف.
فهناك إنطباع متنامي حول دورالمنظميتين الدوليتين حول وضع الدول المتخلفة، فهما تعملان على تكريس التبعية الإقتصادية والسياسية للدول الكبرى، إذ أن هاتين الهيأتين بالإضافة إلى منظمة التجارة العالمية هما أداة من أدوات الضغط التي تستثمرها الولايات المتحدة الأمريكية في تركيع الأنظمة المتخلفة وتفقير الشعوب التي ترزح تحت سطوتها وحتى في الضغط عليها في التصويت في الأمم المتحدة والهيئات الدولية خدمة لمصالحها.
وهنا يجب التنبيه إلى خطورة سيطرة هذه المؤسسات الإقتصادية وتدخلها في السيادة الوطنية من خلال تقديمها للقروض بشروط مثلا من أهم شروط صندوق النقد الدولي تطبيق برنامج الإصلاحات الهيكلية والمتمثل أساسا في رفع الدعم عن المواد الأساسية وخوصصة المؤسسات العمومية ووقف الإنتدابات في الوظيفة العمومية، وبالتالي تخلي الدولة عن مسؤلياتها في توفير العناية بمواطنيها وخاصة الطبقة الفقيرة والوسطى مما يساهم في تفشي الطبقية في المجتمع وتفشي الأمراض الإجتماعية.
وهنا أعود الى ما صرح به أحد القتلة الاقتصاديين وهو المسمى جون بيركنز ”كان عملي هوإجبار الدول ورؤساء الدول والحكومات على الرضوخ والقبول بإتفاقيات القروض مجحفة، لا يمكن معها لتلك الدول، إلا ربما بشق الأنفس، سدادها والتخلص من ربقة الديون التي أثقلها بها” هكذا يتحدث هذا الرجل عن ماضيه الديبلوماسي والإقتصادي والسياسي “المحترم جداً” كموظف في أعلى قمم المؤسسات الإقتصادية التي يطلق عليها الغرب الغني إسم ”المؤسسات الإقتصادية العالمية" وهذا الشخص كان مسؤولا كبيرا في البنك الدولي.