هي أقرب إلى التنظيم الماسوني الدولي، أو هو ذراع من أذرعه الخفية. لاتخترقه منظومة الإعلام العالمي الضخم والدقيق. أصبحت منذ 2009 تعقد لقاءات سنوية بعد أن كانت تعقد لقاءاتها مرة كل نصف سنة.
يحضرها كبار الشخصيات العالمية من أصحاب النفوذ المالي والعسكري وبعض ممن يشكلون محاور العالم الغربي كعمدة العاصمة الهولاندية المغربي الأصل أحمد بوطالب وغيره من أصحاب النفوذ.
وتناقش أهم القضايا الدولية المرتبطة بمصالحها. ولكن لا يتسرب شيئ عن المداولات والنقاشات. تماما كما هو حال السياسة العامة بالدول العربية.
"لا توجد مصادفة من وراء حدث سياسي، فعندما يقع يمكن الجزم بأنه وقع هكذا وفق ما خطط له". هكذا يصف روزفلت ما يحدث في عالم السياسة. لا يمكن لأي شيئ أن يحدث بالصدفة، فكل شيئ مخطط له بدقة متناهية، إلا الإستثناءات النادرة، قد تحدث هنا وهناك إستنادا إلى حقيقة إستحالة حكم العالم على شساعته ولمدة زمنية طويلة. لكن مثل هذه المنظمات لها كل الإمكانيات لتوجيهه حيث تريد، حتى وإن تطلب الأمر نشوب حروب مدمرة، ما دام أعضاء مثل هذه المنظمات في منأى عن الأذى، ولهم كل وسائل لتحويل الحرب إلى سلام والخراب إلى إستثمار وبعائدات مرتفعة.
الحديث هنا عن الحكومة الخفية تحديدا. وحصرا عن مجموعة "بيلدربيرغ" التي أسسها البولوني جوزيف ريتنبرج سنة 1954. ولم ينكشف أمرها إلا بعد مضي عشر سنوات من بدء أنشطته السرية. وبالنظر إلى طبيعة المساهمين فيها والأسماء الوازنة التي تشارك فيها، والشروط الضيقة التي يفترض في مدعويها التوفر عليها، والمراكز والمؤسسات التي تبنتها منذ نشاتها الأولى، وحجم الكتمان الذي يحيط بأنشطتها، وعموم أشغالها، فإن الباحث لا يمكنه إلا أن يجزم أن الأمر يتعلق بحدث مهم وبليغ إلى أقصى الدرجات.
وإذا ما علمنا أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت الداعم الأول لتأسيس هذه المنظمة بالتمويل وإختيار الأعضاء، فإن غطاء كبيرا سينكشف عن دور بيلدرببرغ ووظيفتها وأهدافها. خاصة وأن المخابرات المركزية الأمريكية معروف عنها إنشغالها بالتحكم في العقول، وهوس القادة الأمريكيين والنخبة الأمريكية في التحكم بالعالم. بل هي رصدت في عهد أوباما ميزانية تقدر بمائة مليون دولار مخصصة للبحث في الدماغ البشري.
وليس هناك جهازا بشريا أغلى وأقوى من العقل البشري، وبسيطرتك عليه فإنك تسيطر على العالم. لكننا هنا أمام سيطرة من نوع آخر، سيطرة على أهم عقول العالم المؤثرة في علاقاته العسكرية والإقتصادية والسياسية. وهم كبار الشخصيات المالية العالمية، وأولئك من أصحاب الإطلاع على معلومات من "العيار الثقيل" أو من "صناع القرار" السياسي والعسكري والأمني والإقتصادي والفكري والإعلامي.، على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مرورا بملاك أكبر المشاريع الإنتاجية في العالم، وهو ما سيعرف لاحقا بالشركات العابرة للقارة أومتعددة الجنسيات، التي لا تعترف بالحدود والهويات والقوميات.
نحن أمام حكومة عالمية همها السيطرة على العالم والتأثير فيه حسب قراراتها وإسترتيجياتها وخططها وأهدافها.
لا يخفى أن مهمة المخابرات المركزية الأمريكية هو التحكم في السلوك الفردي والجمعي، فإن توسيع الوظيفة على بنيات أخرى وتوجيهها التوجيه الصحيح، سيقودنا إلى إهتمام المخابرات المركزية الأمريكية بالشخصيات الإستثنائية، كرؤساء الدول وكبار المسؤولين من وزراء وقادة الأجهزة الأمنية، وخاصة منها المرتبطة بأجهزة الإستخبارات سواء منها المدنية أوالعسكرية. إن إختيار أعضاء المجموعة يتم حسب مواصفات عالية الدقة.
فقبل أن يتقرر إختيار باراك أوباما كمرشح للإنتخابات الرئاسية للحزب الديمقراطي سنة 2008، إختلى أوباما بمنافسته في الحزب هيلاري كلينتون في منطقة شانتيلي بفرجينيا مدة ثلاثة أيام بدعوة من منظمة بيلدرببرغ التي كانت تعقد إجتماعها السنوي، وتقرر بعد ذلك تخلي هيلاري كلينتون عن المنافسة حول الرئاسيات، وهو ما جعل مجموعة من الكتاب والصحفيين الأمريكيين يذهبون إلى عقد توافق بين المرشحين الديمقراطيين وتوزيع المهام بينهما تفاديا لأي سقوط غير مدروس أمام الحزب الجمهوري الذي كان قد أوصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستويات دنيا على جميع الصعد. حيث إنحدرت سمعة البلاد في العالم إلى الحضيض.
ومن يتابع أدبيات السياسة العالمية يدرك جيدا أنها تعتمد خطابات أخلاقية بالأساس، لكنها من حيث الممارسة ترتكب جرائم ضد الإنسانية ومجازر وفظائع تعجز اللغة عن وصفها. وهذا ما جعل خبراء أعصاب اللغة والدماغ وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية يشتغلون على تحيد وقياس مستويات تحمل المشاعر الإنسانية للبشاعة والجرائم الكبرى المرتكبة من قبل الأنظمة. فتقرر وقف تجربة الجمهوريين في الحكم. وإستبدالهم بالديمقراطيين الذين يعتبرون على العموم أنعم وألطف من الجمهوريين في علاقاتهم الدولية، وإن كانت الأهداف الكبرى والإستراتيجيات العريضة والدقيقة لا تتغير، لكن يجب تغيير الأسلوب لتوجيه الرأي العام العالمي وتنويمه مرحليا، قبل إستئناف اللعبة بطرق أكثر بشاعة ودموية.
يرى “تييري مسيان” وهو مفكر فرنسي، رئيس ومؤسس شبكة "Réseau Voltaire" أن مجموعة بيلدربيرغ لا تهتم بالسياسة، وهذا ما لا أوافقه عليه شخصيا، إذ يمكن القول إنها لاتهتم بالسياسة بطريقة مباشرة، لكن طموحها وأهدافها الكبرى تتخللها نزعة سياسية قوية. فعندما تم إستدعاء الرئيس الأسبق للفيدرالية الروسية ديمتري ميدفيدف إلى إجتماع لتحالف الناتو بلشبونة أقترح عليه التحالف الإنضمام إليه، وهو ما كان سيشكل دفعا قويا لقبضة الولايات المتحدة الأميركية على العالم بعدما تداعت إليه مجموعة كبيرة من دول أوروبا الشرقية التي تفككت عن الاتحاد السوفياتي السابق.
مما يفتح الباب أمام مجموعة بيلدربرغ لدعوة شخصيات مؤثرة في روسيا، ليس ،حسب "تييري ميسيان " لتوجيه الروس نحو الدفة الأمريكية، بل فقط لمنح المجموعة وبالتالي حلف الناتو قوة إضافية، وهذا يعطي الولايات المتحدة الأمريكية، شرعية إضافية لمواجهة العدو المؤجل "الصين "، والإنقضاض تماما على الشرق الأوسط وفي قلبه إيران.
ويربط ماركوس كينابل -ككثير من الناقدين سواه- بين مشاركة شخصيات بعينها في مؤتمرات بيلدربيرغ للمرة الأولى غالباً، وإستلامها مناصب حساسة بعد ذلك بفترة وجيزة كالرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي فان رومبوي عام 2009، ورئاسة تسوليك للمصرف المالي العالمي عام 2007، وكذلك كبار المسؤولين في الإتحاد الأوروبي باروسو وتريخيه وبرودي. ويمكن تعداد المزيد ممن إستلموا مناصب عليا عسكرية وسياسية ومالية بعد فترات وجيزة من حضور مؤتمرات بيلدربيرغ للمرة الأولى.كما جاء في جريدة أمة بريس الالكترونية.
ولن نغرق في فكرة المؤامرة ونقول إن نجاح ترامب بإعتبار إدارة الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة بشكل كبير على مجموعة بيدلبرغ، لم يكن صدفة، حسب ما هو متداول بشكل كبير، لكن بعض المحللين وإن كانوا قلة في العالم يذهبون عكس ذلك. فنجاح ترامب غير المتوقع قد يشكل توجيها إراديا للرأي العام العالمي عن السياسات المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية.