الشرعية العربية، مفهوم بلا معنى ويفتقد للدلالة. وتأتي شرعية العربية المزعومة بقطع العلاقات مع قطر وحصارها بحريا وجويا وبريا، وقبلها قصف اليمن من قبل النظام العربي البترولي خارج جميع الأطر الشرعية كما هو منصوص عليها في القوانين الدولية والمحلية، بإعتبار أن الشرعية هي ثمرة ممارسة سياسية تتكئ أساسا على أسس تشرعها ضوابط صارمة، سواء كانت دينية أو دنيوية.
وهو ما لا يتوفر لعاصة الحزم مثلا. ناهيك عن الإستناد إلى قرارات دولية تصرفها هيأة الأمم المتحدة بمجلسيها الجمعية والأمن. يبدو أن العرب حين إستفاقوا بعد سبات طويل إستفاقوا خارج الزمن، وخارج المكان، ليتوحدوا ضد بلد عربي فقير، وإبتكروا مصطلحا لا تصريف له. هم طبعا أسسوه على فكرة مصطلح حربي أمريكي قريب من الصناعة الهوليودية هو "عاصفة الصحراء" وطباع أهل الصحراء طباع جافة أقرب إلى الحزم منها إلى الهزل.
لكن عرب اليوم أهزل من الهزال. فكيف يستفيقون فجأة على حزم؟، وليعيدوا الشرعية إلى توقيت العجل الذهبي، قرروا أن يشنوا حربا على دولة عربية بئيسة أكثر من نصف أهلها يرزحون تحت عتبة الفقر، وما يقارب ثلاثين في المائة من أطفالها يعانون من سوء التغذية حسب معطيات الأمم المتحدة، وهي البلد الخليجي الوحيد الذي تركه قاصفوه ومهاجموه لوحش الفقر والفاقة، ولم يمكنوه من الإنظمام لمنظمتهم التي تعتبر أغنى تجمع مالي في العالم.
وقبل عام ونصف طردت المملكة السعودية آلاف اليمنيين من أراضيها، وكأنها تنتقم منهم، أو كانت تهيئهم كفئران تجارب لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بالإضافة إلى ويلات الحرب والفقر والدمار بدأ داء الكوليرا ينخر جسد اليمنيين فحسب الصليب الأحمر الإصابات بالآلاف و القتلى من جراء الوباء بالمئات.
وأصبح تدمير البلدان العربية وتشريد العرب وقتلهم مهمة عربية، بعدما تغيرت معادلات الغرب ورهاناته لإختلالات إقتصادية، وحسابات حقوقية، وإعتبارات إنسانية، وإرتدادات إنتقامية. بعد أن إنقلبت دول الخليج على الثورات العربية البهية، التي خلف حكامها الطغاة شهداء ثاروا في وجوههم، وجاؤوا في بعضها بحكام أكثر طغيانا وبطشا كما حصل مع السيسي، ها هم اليوم يصنعون ما هو أنكى وأفدح وهم يحاولون إرجاع ما يسمونه شرعية عبر عمل بلطجي كما هو حاصل في ليبيا، فهم يريدون تعويض السفاح المقبور القذافي بمن نصب نفسه قائد جيش ليبيا الوطني وسيء الذكر حفتر، وكأن الخطأ عندالنظام العربي لا يعالج إلا بالخطأ.
عن أي شرعية يتحدثون إذن؟ هل هي شرعية وراثة الحكم؟ أم شرعية تجهيل الشعوب وتفقيرها؟ أم شرعية تزوير الإنتخابات وتزييف إرادة الشعوب؟ أم شرعية سرمدية التخلف؟. الشرعية لها ضوابط معرفية وثقافية. وأي شرعية تسقط من وفق تفقد معنها ودلالتها وقنوات تصريفها، ولا يبقى الا العدوان والاستبداد . لاشيئ يمكن أن يبرر الوضع العربي وما يحدث بالبلدان العربية. وكأننا صرنا أشبه بالحيوانات التي ترتد على نفسها للإنقراض بعدما فقدت كل أسباب التكيف مع المحيط والبيئة. أين هي عاصفة الحزم من الجزر السعودية -تيران وصنافير- عندما كانت تحتلهم إسرائيل؟ وأين هي عاصفة الحزم من الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران؟ وأين هي عاصفة الحزم من مدينتي سبتة ومليلة المحتلتين من طرف إسبانيا؟. أم أن النظام العربي لا يهمه إلا شيئان إثنان لا ثالث لهما، كرسي الحكم ومال البترول، ثم بعد ذلك فليأت الطوفان؟.
ومن المضحكات المبكيات للدول العربية، وبعد الحملة العسكرية على اليمن هاهم اليوم يعلنون الحرب الناعمة على قطر بالتهديد والوعيد من طرف أبواقهم الإعلامية ثم المقاطعة الديبلوماسية والإقتصادية ومحاصرة هذا البلد الصغير بحريا وجويا وبريا، والجرم الذي إقترفته هذه الدولة هو أولا وقوفها إلى جانب الثورات العربية ودعمها، ثم رفضها للإنقلاب على الشرعية في تركيا ووقوفها إعلاميا إلى جانب النظام التركي عندما كانت القنوات الإماراتية والسعودية تروج الأكاذيب والأباطيل حول هروب الرئيس التركي، وكذلك دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والتي يعتبرونها منظمة إرهابية ويبقى الأغرب من كل ذلك والذي يعتبر الجرم الأكبر في نظرهم هو مناصرة القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب حركة حماس وإستظافة قياداته والتي يعتبرونها منظمة إرهابية، بالإضافة لإمتلاك قطر لأخطر سلاح في عصرنا الحالي وهو شبكة الجزيرة الإخبارية، التي ساندت الثورات العربية ووقفت إلى جانب الشعوب العربية وساهمت في إسقاط الديكتاتوريات التي جثمت على صدورنا عدة عقود، وفضحت جرائم إسرائيل واللوبي الداعم لها في عدة برامج وثائقية.
للآن ومنذ نكسة 48 لم يتعلم العرب مبدأ "عدم استخدام القوة كأداة للسياسة"، ولم يحددوا إلى يومنا مصادرعدم الإستقرار، التي باتت المنطقة العربية تغلي فوق صفيحها الساخن. أن أهم مسببات إنفجار المنطقة الذي لن يتوقف إلا بالتقيد بقواعد الديمقراطية والحرية، الغائبة كليا عن المجتمعاتنا العربية التي تقودها أنظمة شمولية. فمن إذن عليه أن يدفع ثمن اللاأمن واللا إستقرار الذي يعيشه الشعب اليمني والعراقي والسوري والليبي والمصري؟.
فجميع هذه الشعوب تعيش في جحيم غياب الديمقراطية والإستفراد بالحكم والإستبداد. فهل يمكن الحديث عن شرعية ما في ظل هذه الأجواء والمناخات السياسية المترهلة؟. وهل يمكن تفصيل الشرعية على مقاسات مصالح الأنظمة الغنية في المنطقة، وليس على أساس شرعية الديمقراطية؟