نحن في النهاية ماذا نريد كمجتمع وكدولة، كمؤسسات وأفراد، كحاضر ومستقبل، كواقع وطموح، كمعيش وكحلم؟ هذا هو السؤال المتعدد المفرد. لقد أثبتت التجربة أن كل الرهانات كانت خاطئة. سواء رهانات الدولة، أو المتربصين بقيادة المجتمع، من سياسيين ومفكرين وصحفيين وإعلاميين ومنحرفين، أو من قبل الإنتهازيين و الوصوليين الذين ينتظرون متى تنجلي غيوم المرحلة وغبارها.
إن تعريف الاعلام حاليا أصبح شبيها بتعريف الذرة، متجاوزا وتقليديا وعديم الفائدة إلا من حيث تاريخية المعلومة، فبعد هذه الثورة التكنولوجيا الهادرة والضخمة، تحولت وظائف الإعلام وإتسعت إلى أقصى مدى، وتعددت وسائطه وفاعلوه، إلى درجة طلب إدراج مجموعة من الصحف العالمية الكبرى إسمها وعلامتها التجارية من إدراة جوجل لإدراجها كصحف قائمة الذات يمكنها الإستفادة من بعض الإيرادات، عوض إستغلال قصاصات من كتاباتها في المحرك العالمي دون الإستفادة منها.......
كنت منذ الثورة قد إعتبرت الإعلام السلطة الأولى كونيا، متكئا في ذلك على مجموعة من المعطيات والنتائج والوقائع. وها أنا اليوم وفي بحثي عن دور الإعلام أعثر على مقال طويل يؤكد بالحرف أن الإعلام لم يبق السلطة الرابعة بل أصبح السلطة الأولى؛ وأنا على يقين أن كثير من الإعلاميين والكتاب يؤيدون فكرة السلطة الأولى التي يضطلع بها اليوم الإعلام الكوني.
وهو هنا بالمرغب أيضا له أدوارا كبرى، لكن آلة النظام وضعف التكوين، وإنتفاء الشخصية الإحترافية عند الإعلامي بتونس يجعله يتخلى عن رتبته الرابعة، فكيف سيدافع عن أوليته السلطية. إن إشكال الإعلام بتونس إشكالية لا تخرج عن بنية الدولة والمجتمع.
فمادام المجتمع يأتي في الدرجة الثانية بعد الدولة، أو لا درجة له بالأحرى، فإن إعلامه سيظل بلا سلطة، أو بالأحرى لن يحوز صفة السلطة الأولى. فالإعلام الإلكتروني الجيد هو الإعلام الذي يواكب حقائق المجتمع المحلي، ويكشف ويعري الأخطاء والخروقات التي تشوب المنطقة التي يغطيها، ويزكي كل المبادرات التي تعمل على تطوير و الرقي بالمنطقة، ويبحث ويتساءل عن النقائص التي يفترض بالسلطات وبالمواطنين تداركها، إنه في النهاية إعلام بناء مواكب ويقظ. يسابق الزمن من أجل النهوض بالمنطقة وأهلها من جميع أشكال وحالات التخلف التي تطبعهما.
إنه نقيض الإعلام المحلي المواكب للإعلام المركزي، وهو الإعلام الذي يشتغل على ضوء تعليمات السلطة، ولا يغطي إلا أنشطتها، ويتابع جميع قضاياها، ولا يرى إلا بعين الحكومة، غافلا عن سلبياتها منوها بإيجابياتها أو مضخما لها. بينما يعمل على تعرية كل أخطاء المجتمع وإنحرافاته، وخاصة الفئة الهشة والمستضعفة، وكأنه يجترح فتوحات عظيمة في كشف الإختلالات الإجتماعية البسيطة، بينما هو يغطي على عورة رجال الدولة و رجال الأعمال والمؤسسات وكبار التجار المخدرات وناهبي المال العام.
نحن أمام ثورة إعلامية غير مسبوقة، إذ تتعدد مصادر الخبر بين المحلي والوطني والإقليمي والدولي، كما أن الإعلام الشعبي يظل يلعب أدوارا متناقضة، فهو يكشف أحيانا عن حقائق يعجز عنها الإعلام المحترف أو التقليدي، وفي نفس الوقت يشوش على الإعلام المقنن والمهني أدواره وإشتغالاته، وهو ما يجعل الإعلامي في حيرة من أمره. ويدخله مجال الغموض، بل أحيانا كما هو حاصل بالنسبة لمجموعة من المواقع الفردية والجماعية الشخصية، أن تأخذ دور الإعلام المقنن. فكيف يستطيع الإعلام المحلي عندنا على ضعفه وقلة إمكانياته وإنعدام خبرته أن يواجه هذه التحديات الضخمة والإكراهات الكبيرة؟…
لا يمكن في هذه الفترة بالذات إعطاء حلول أو فرض توصيات، إذ يجب القيام بدراسات علمية دقيقة، للخروج بنتائج موضوعية ومعقولة. يمكن إعتبار أن الثورة التكنولوجية ودخول ما يعرف بالصحافة الشعبية وخاصة عبر مواقع التواصل الإجتماعي على الخط، أربك كثيرا مفهوم وإشتغال الإعلام عموما وخاصة منه المحلي. على الرغم من التعريفات الغير واضحة لهذا المفهوم في الدول التي إعتمدته منذ عقود طويلة، كالمجتمعات الغربية التي تعتبر مجتمعات متقدمة إعلاميا بإمتياز… الإعلام المحلي، هل فعلا دخلنا عصر مفهوم الإعلام المحلي؟؟ ..