بعد الاطلاع على التعديلات التي وقع إدخالها الليلة على مشروع الدستور، يمكنني الجزم للمرة الألف أنّ صاحب هذا المشروع شخص تنقصه النزاهة ولا يُؤمَن له جانب إذ يمكنه تغيير الدستور والقوانين والأوامر متى اشتهى ذلك أو متى تطلبت مصلحته الخاصة ذلك، لا يتقيد بإجراءات ولا بآجال. الفوز هو أهم شيء بالنسبة له، الفوز بكل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة...
أ لم يكن قد دافع عن مشروعه منذ ثلاثة أيام في الرسالة التي وجّهها للشعب التونسي عبر الفايسبوك ؟ ! فما الذي تغيّر مساء اليوم ؟ ! لا شيء سوى أنه استشعر إمكانية الخسارة في الاستفتاء، وهو شخص يبدو أنه لا يقبل الهزيمة...
--ملاحظة عابرة : الفصل 5 جديد الذي يتضمّن مفاهيم الأمة الإسلامية ونظام ديمقراطي ومقاصد الإسلام، وهي مفاهيم متناقضة، فصل يستحيل تطبيقه لأنه ليس سوى مجرد هذيان.
--لا ! لا للاستفتاء ! لا لدستور الانقلاب !
قالِّك : "مصدومين، قيس سعيّد خدعنا"... صحّة النوم أيها الانتهازيون !!!
عبّر العميد الصادق بلعيد وأمين محفوظ عن صدمتهما من مشروع الدستور الذي نشره قيس سعيّد بالرائد الرسمي مساء الخميس الماضي، 30 جوان 2022، لعرضه على الاستفتاء يوم 25 جويلية القادم. وأعلنا تبرؤهما منه... وكان أستاذ القانون الصغيّر الزكراوي قد سبقهما لهذا الموقف وذلك منذ حوالي شهرين حين قال في عدة تصريحات إذاعية وتلفزية، : "إنني مصدوم لأنّ قيس سعيّد خدعنا وخذلنا"، وذلك تعليقا على المسار الذي اتخذه قيس سعيّد منذ 20 مارس الماضي حين أصدر مرسومي الصلح الجزائي والشركات الأهلية...
--أستثني من كلامي هذا العميد الصادق بلعيد الذي لم يخرج و لو مرة واحدة في وسائل الإعلام للدفاع عن قيس سعيّد وعن اختياراته ولا لتمجيده.
--أما البقية من "جماعة القانون" أي أمين محفوظ والصغيّر الزكراوي ورابح الخرايفي الذي انتحل في الصائفة الماضية، بعد انقلاب 25 جويلية، صفة الأستاذ الجامعي في حين أنه محام، فمسؤولون وستتم يوما ما محاسبتهم على ما اقترفوا من جرم في حق تونس.
--لقد كان واضحا منذ انتخابات 2019 أنّ قيس سعيد سيخدع الجميع : حين اختار الياس الفخفاخ لرئاسة الحكومة بينما كان المرشَّح الذي تحصّل على أقل عدد من ترشيحات الكتل البرلمانية ؛ ثم حين أوهم الجميع بأنّ نفس الياس الفخفاخ قدّم له استقالته بينما لم يفعل الأخير ذلك ؛ ثم لمّا اختار هشام المشيشي لرئاسة الحكومة وهو الذي لم ترشّحه أية كتلة، معتقدا أنه سيلبي رغباته السلطانية ؛ ثم حين لم يفعل الأخير ذلك، ناور حتى هيّأ الرأي العام لكراهيته حيث إنه لم يقبل التعديل الحكومي بدعوى فساد الوزراء الذين نالوا ثقة مجلس نواب الشعب، وقام بتشويه سمعتهم،ولم نر بعد ذلك أية تتبعات عدلية ضدهم... ؛ وأحدث أزمة تلاقيح الكورنا وأغرق البلاد في حالة من البغض تجاه ما بقي من حكومة هشام المشيشي…
ثم قام بانقلاب 25 جويلية وخرق الفصل 80 من الدستور، وأصبح الصغير الزكراوي ورابح الخرافي منظّري حالة الاستثناء التي أفتيا فيها لقيس سعيّد بكل شيء، بما في ذلك اتخاذ دستور جديد... وأصدر الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 الذي أعطى فيه لنفسه صلاحيات سلطانية، واتضح بعد ذلك أنّ العميد الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى وأمين محفوظ هم الذين حرروه، كل ذلك بمباركة الصغير الزكراوي ورابح الخرافي... وفكك الدولة ومؤسساتها من مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات... و هم يباركون ويهللون...
وسب وشتم الجميع، ونعتهم بأبشع النعوت... و هم يؤيّدونه... وعزل 57 قاضية و قاض من بينهم 45 على الأقل مظلومون ظلما فادحا... و هم يبررون... ثم جاءت مهزلة الحوار الوطني الغير تقليدي والهيئة الوطنية لصياغة دستور الجمهورية الجديدة والمرسوم عدد 30 المؤرخ في 19 ماي 2022، و بقي منهم مَن يبرِّر له كل تجاوزاته... لا، بل إنّ أمين محفوظ أخذ يحدّثنا في وسائل الإعلام عن الخصال الشخصية لقيس سعيّد و عن روح الدعابة والنقاش التي يتمتع بها...
--لا يا سادتي، قيس سعيّد لم يخدعكم و لم يخذلكم، بل أنتم الذين كنتم انتهازيين واعتبرتموه ساذجا، مجرد لقمة سائغة، مجرد ألعوبة يمكن استخدامها لتحقيق شهوتكم في التخلص مما أسميتموه "عشرية سوداء" !
قيس سعيّد حاول أن يخدع الجميع، و قد نجح مع الأغلبية ؛ ولكنه لم يكن لينجح لولا تواطئكم معه !
فلا تلعبوا اليوم دور الضحية المغرَّر بها... فأنتم الجناة الذين غّررتم بالشعب التونسي، وحاولتم تصوير قيس سعيّد له على أنه نزيه !
--مساء 25 جويلية الماضي، كنا بضعة شخصيات قلنا إنّ ما قام به قيس سعيّد انقلاب... كنا ضد توجهاته حتى قبل ذلك التاريخ... كنا نعلم أنّ ادعاءه الطهورية والنزاهة يحتاج للإثبات... لم نكن أذكى من في هذه البلاد، ولسنا أذكاهم... ولكننا صاحبات وأصحاب مبادئ... نقول الحق و لو على أنفسنا ! لم نتعامل مع قيس سعيّد على أنه شخص ساذج ولا أحمق يمكن استغلاله للوصول لمآربنا، لم نصمه بالمرض العقلي ولا النفسي لاحترامنا لإنسانية وكرامة المرضى العقليين والنفسيين... بل اعتبرناه انسانا كامل المدارك، و لم نحتقر لا ذكاءه ولا خبثه ولا دهاءه... تعاملنا معه على هذا الأساس، فاعتبرناه مسؤولا عن أقواله وأفعاله... ففشل بالتالي في خداعنا !
--كلامي هذا موجَّه أيضا للعديد من الجامعيات والجامعيين والإعلاميات والإعلاميين الذين تنصلوا في الآونة الأخيرة من مسؤولية مساندة قيس سعيّد : ستُحاسَبون يوما ما على تأييدكم للانقلاب و مانيش مسامح، لقد أدخلتم البلاد في دوامة لا مخرج منها !!!