-1-مكّن التأويل المقاصدي للقرآن والسُنة الدولة التونسية سنة 1846 من إلغاء الرق (أي العبودية) ؛ و لو وقع التمسك بلفظ القرآن، لاستحال حتى اليوم منع الرق وعتق "العبيد" من داخل المنظومة الدينية... وعلى أساس هذا التأويل المقاصدي، تمّ لاحقا اعتبار الحرية مقصدا من مقاصد الشريعة.
كما اعتمد المفكّر الإصلاحي الطاهر الحداد نفس هذا المنهج المقاصدي في تأويله للقرآن والسُنة ليخلص لضرورة منع تعدد الزوجات وتكريس المساواة في الميراث بين النساء والرجال، وذلك في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي نشره بتونس سنة 1930، حيث اعتبر المقاصد ومنها المساواة وحدها خالدة، أما الأحكام القرآنية التفصيلية، فعَرضية.
عموما، المنهج المقاصدي وهو متعدد والذي استنبطه العلماء المسلمون المستنيرون للحد من وطأة وشدة لفظ القواعد القرآنية، هو الأكثر استخداما اليوم لكل من يناضل من أجل إقرار المساواة من داخل المنظومة الإسلامية.
-2-الرئيس قيس سعيّد صرّح في عديد المناسبات أنّه يرفض المساواة في الميراث بين النساء والرجال، والتي يصفها بـــ "الشكلية" باعتبار عدم تلاؤمها مع قواعد العدل والإنصاف التي تقوم عليها منظومة المواريث الواردة في "النص القرآني الواضح في هذا المضمار، حسب زعمه، والذي لا يقبل التأويل"... بما يجعل كل مَن يستمع إليه يظن أنه ليس من القائلين بمنهج المقاصد، بل من المتشبثين بلفظ النص وبقراءة حرفية له، أي بالتفسير دون التأويل.
-3-ثم، فاجأ الرئيس الجميع بإدراج واجب الدولة وحدها في العمل على تحقيق مقاصد الإسلام في الفصل 5 من مشروع دستوره الجديد.
من الناحية القانونية، صياغة هذا الفصل غامضة جدا، بل سيئة ولا تسمح بتحديد طبيعة الالتزام المحمول على الدولة، هل هو التزام بتحقيق نتيجة أم التزام ببذل عناية ؟
أما السؤال الأهم، فيتمثّل في محاولة معرفة ما إذا كان قيس سعيّد من القائلين بلفظ القرآن أو بمقاصده في مادة المواريث ؟
أم أنه كالعادة، يختار من كل منهج ما يتماشى مع أهوائه ؟ أظن أنّ الفرضية الأخيرة هي الأقرب للصواب…