انطلقت السبت الماضي، 1 أكتوبر 2022، حملة إعلامية-سياسية ضد شركة الخطوط الجوية التونسية، وذلك غداة إصدار الأخيرة بلاغا يوم الجمعة الماضي، 30 سبتمبر 2022، نبّهت فيه إلى احتمال تعرّضها لبعض الصعوبات في خلاص رواتب أجيراتها وأجرائها في الأشهر المقبلة نتيجة عقلة توقيفية ضربها بعض خصومها على حساباتها البنكية في إطار نزاعات شغلية بين الطرفين.
هذه الحملة انخرطت فيها جل الإذاعات والتلفزات لا فقط في برامجها السياسية، بل كذلك الترفيهية. في أغلب هذه البرامج، استعان المنشّطون والكرونيكورات بما يسمى "خبراء اقتصاديين"، بينما هم لا خبراء ولا اقتصاديون، فجلهم خبراء في المحاسبة أو متخصصون في مالية المؤسسات الاقتصادية الخاصة... وعدد منهم من السياسيين المنتمين لأحزاب سياسية ذات توجُّه ليبرالي...
أما الخطاب الذي تضمّنته هذه الحملة، فيقوم على انفعال وتشنُّج المنشطين والكرونيكورات، والتعبير عن استيائهم من خدمات الخطوط الجوية التونسية، وغضبهم مما يسمونه "سوء حوكمة الشركة، وضعف تسييرها". ثم يتدخل الخبير المحاسب أو المالي، فيقدّم بعض الأرقام التي تبدو مفزعة حول عدد أجراء الشركة وديونها المتفاقمة…
وفي الأثناء، ترتفع أصوات منشّطي وكرونيكورات البرنامج منادية بخوصصة الخطوط الجوية التونسية والتقليص في عدد أجرائها واعتماد خيار "السماء المفتوحة" Open sky ووضعها في منافسة مع كبريات شركات الطيران العالمية... ويضيف الخبير بكل هدوء، أنّ اعتماد هذا الخيار الأخير من شأنه أن يخدم قطاع السياحة في تونس... ثم يقترح بعض الحلول الأخرى بدعوى إنقاذ الشركة، مثل البحث عن شريك استراتيجي يضخ فيها الأموال، وذلك بدعوى أنها "مفلسة" بما يجعل التفويت فيها أمرا صعبا... ويختم الحضور، المنشّط وكرونيكوراته والخبير، البرنامج بالإجماع على أنّ التفويت في الخطوط الجوية التونسية ليس فيه مساس لا بالسيادة الوطنية ولا بوطنية الحكام، ويضربون على ذلك أمثلة الخطوط الجوية الفرنسية والسويسرية والإيطالية والألمانية... كما يعمِّمون دعواتهم هذه على كل المؤسسات العمومية وخاصة وكالة التبغ والوقيد...
حتى برنامج "روندي فو 9" ليوم الاثنين 3 أكتوبر الماضي، على قناة التاسعة التلفزية، الذي بثّ مقتطفات من تصريح مسجّل للكاتب العام لنقابة أعوان الخطوط الجوية التونسية، لم يف حق هذا التصريح بالتعليق على كل ما جاء فيه، بل على خلاف ذلك، كان الكرونيكوارات في حالة انفعال وغضب من النقابة...
ولعلّ أهم حجة قدّمها الكاتب العام للنقابة هي التساؤل عن التوقيت : لماذا هذه العقلة التوقيفية الآن بالذات والشركة بصدد تحقيق انتعاشة، بينما هذه القضايا الشغلية بعضها يرجع إلى سنة 2008 ؟ ! ثم، هل من المقبول منطقا، لا قانونا، أن تُضرّب عقلة توقيفية على كل الحسابات البنكية لمنشأة عمومية ؟ ! وفي نفس السياق، أضيف تساؤلا آخر : في ما تتجسّد عمومية الخطوط الجوية التونسية وغيرها من المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والمنشآت العمومية إذا لم تتمتع بحماية إزاء بعض الاجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها ؟ !
للإشارة فقط، لاحظت منذ حوالي شهر، حديثا متواترا في مختلف وسائل الإعلام عن "السماء المفتوحة" ؛ فالأمور تبدو لي بالتالي غير بريئة...