صرح راشد الغنوشي لصحيفة "واشنطن بوست" بما يلي: "مصطلح " إسلامي" بات الآن تسمية غير دقيقة، ذلك أنه يضع تحت مظلة واحدة الذين يرفضون العنف مع المرتبطين بالإرهاب. هذا المصطلح يستخدم للخلط والالتباس". بكل تجرد يمكن التفاعل بأكثر من طريقة مع تصريح راشد الغنوشي.
فظاهر القول يوحي بالتنصل من المرجعية الإسلامية لحركة النهضة. ولكن إذا ما وسعنا نظرنا ليشمل عموم خطاب الغنوشي خلال السنوات الأخيرة، فقد نستبعد فرضية تنصله من المرجعية الإسلامية، وسنقول إنه يفضل مصطلح "إسلامي ديمقراطي" أو "محافظ ديمقراطي". ومع ذلك فهنالك ملاحظتان لا يمكن التغاضي عنهما:
أولا: هل انتهيت الصلوحية الدعوية الدعائية السياسية للانتساب للإسلام (من ينتسب للإسلام عقيدة وشريعة وقيما فهو مسلم، ومن ينتسب إليه إيديولوجيا وسياسيا فهو إسلامي)؟ أي هل أن الغنوشي قد ضمن استمرار الولاء لحزبه لدى أنصاره حتى باستبعاد صفة " إسلامي"؟ وهل وازن بين ما قد يكسبه من التخلي عن هذه الصفة من صناع القرار في السياسات الدولية(الحصول على التأشيرة للإقامة "الدائمة أو المستمرة" في الحكم) من جهة، وبين ما قد يخسره من استقطاب ممكن للمزيد من الجمهور الخائف على هويته وحريته الدينية وقيمه المحافظة، من جهة أخرى، فرجح الخيار الأول على الثاني، مع فتح الباب لقادمين جدد غير مؤدلجين ضرورة، ولكن من "المؤلفة قلوبهم وجيوبهم"؟
ثانيا: نذكر جميعا تلك المقولة العربية القديمة:" لو خرجت من جلدك ما عرفتك". بل الأولى أن نتذكر قوله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"(البقرة: 120). كما نتذكر أن أكرم خلق الله وأطيب خلق الله وأشرف خلق الله محمد عليه الصلاة والسلام قد ألصق به الزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكت السادس عشر في خطابه بجامعة راتسبون بألمانيا سنة 2012 تهمة التخلف والعنف والإرهاب(ثم تراجع عن ذلك بتأثير حملة توضيحية من علماء المسلكين ومفكريهم، وكان لي شرف المشاركة فيها لدى الأصدقاء في الحوار الإسلامي المسيحي).
فهل علينا أن نغير اسم محمد(ص) ونستبدله باسم آخر لكثرة ما اقترن اسمه الشريف بعبارات الإدانة والتبخيس على ألسنة اليهود والنصارى والملحدين الحاقدين، ولما نسبه إليه الدواعش من منهج التقتيل والهمجية(الحديث المزعوم: " جئتكم بالذبح") أم علينا أن نقيم الحجة والبرهان على براءة الإسلام الأصلية ونبيه الأكرم من التهم الباطلة الملصقة بهما وأن نسعى في الآن نفسه إلى إثبات الجدارة الذاتية بالتمدن والتقدم والرقي بمجتمعنا وبلدنا؟!
لا يمكن الخروج من هذا الالتباس الذي أحدثه تصريح الغنوشي حول الالتباس والتلبيس المتعمد من قبل خصوم الإسلاميين وأعداءهم، وبعضهم أعداء للإسلام نفسه، رغم أن الإسلاميين لا يمثلون بتاتا الدين الإسلامي العالمي العظيم، لا في هذه البلاد ولا في أي مكان من العالم، إلا بأمرين: أولهما تغير اسم حزب حركة النهضة إلى اسم يقيم التمييز المطلوب عن الحركات الدينية المتشددة في العالم الإسلامي، مثل إطلاق تسمية "الحزب الإسلامي الديمقراطي"، على غرار " الحزب المسيحي الديمقراطي"الإيطالي، أو "حزب المحافظين الديمقراطيين" على غرار حزب "المحافظين" البريطاني".
ثانيهما: إنتاج و- أو تبني أدبيات فكرية سياسية تؤصل الحداثة السياسية في السياق الإسلامي، على غرار كتابنا "الإسلام والحداثة السياسية". ملاحظة أخيرة: هل أن تصريحات الغنوشي مثل هذا التصريح حول تحبيذ التخلي عن هذا الوسم الذي تحول إلى وصم (الوسم هو العلامة والوصم هو التشنيع والإدانة) المتمثل في صفة "إسلامي"، تصريحات تأتي تعبيرا على مخرجات ناضجة لحوارات دائرة داخل حلقات التفكير السياسي في حزب حركة النهضة أم هو مجرد دندنات رأس القطار الذي يجر وراءه قطار النهضة وعرباته تلاحقه أينما اتجه بها هذا الرأس؟