الانقلاب على الشرعية الدستورية مع غياب تفويض شعبي (فشل سلسلة الاستشارات والاستفتاءات والانتخابات فشلا ذريعا) هو القضية السياسية الأولى في البلاد. أما الإيقافات والإيداعات بالسجن بتعليمات جاهزة وتهديد القضاة (وربما المحامين) بالشراكة في جرائم (هي محل نظر وتحقيق) وتقلص مساحة الحريات (الحديث السياسي في المقاهي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام المحايد أو المنتصر للحريات الفردية والعامة) فهي إفرازات حقوقية للوضع الانقلابي.
وعلى قيادات التشكيلات السياسية المناهضة للانقلاب التمييز بين هذين المستويين في بعض الحالات الخاصة.
أنطلق لتوضيح الفكرة من مثال: تم ضمن حملة الاعتقالات الأخيرة إيقاف رجل الأعمال المشتبه في فساده كمال لطيف وأودع السجن. هذا الاعتقال لقي تجاوبا لدى المزاج الشعبي. فالحكايات التي تنسج عن مؤامرات هذا الشخص على الدولة وفساده لم تتوقف على طول عقد كامل وأكثر. والثوريون أنفسهم كانوا يتمنون إيقافه. بطبيعة الحال، إيقاف هذا الشخص في سياق الحملة على النشطاء السياسيين المناهضين للانقلاب يلقي ظلالا كثيفة من الشك حول الهدف من إيقافه.
جبهة الخلاص هي الآن أبرز تشكيل سياسي يواجه الانقلاب مواجهة مدنية سلمية بأدوات التصريحات الإعلامية والبيانات والوقفات والمظاهرات الاحتجاجية.
والجبهة لا تقدم نفسها قوة مقاومة للانقلاب فقط، بل تقدم نفسها أيضا طرفا أساسيا في إعداد البديل الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي على قاعدة دستور 2014.
ولذا فهي تطرح على نفسها إقناع الرأي العام التونسي بأمرين متلازمين: ضرورة إسقاط الانقلاب وإحلال بديل ديمقراطي اجتماعي شرعي محله، يأتي بالحوار بين القابلين بالعمل تحت سقف دستور 2014.
الرأي العام يتحمس لكل حملة تنفذ باسم مكافحة الفساد وإزاحة المفسدين من المشهد السياسي والاقتصادي.
ولذا لما تعقد جبهة الخلاص ندوة صحفية عن حملة الاعتقالات، عليها ان تستحضر التحديين معا: السياسي- الاجتماعي، والحقوقي. أي عليها، بما هي تشكيل سياسي، أن تبني الحقوقي على حقيقة السياسي. فلا تبادر بإعلان التضامن مع الموقوف كمال اللطيف، لأنه صديق، أو لم يتمتع بحقوقه التي يكفلها له القانون لدى إيقافه وإيداعه السجن. فهذا مما يشوش على عملية التواصل مع الرأي العام ذي المزاج التلقائي الحامل لتصورات سميكة عن رجال أعمال يعدهم فاسدين ويعد كمال لطيف أحدهم، فتظفر حملة الإيقافات المغرضة على المعارضين السياسيين بتبرير ثمين لصالح المنقلب لما يفهم عموم الرأي العام أن السياسيين المناهضين له متعاطفين مع الفاسدين ومصادقين لهم.
ولا يعني هذا تجاهل حق أي مواطن في معاملة قانونية وحقوقية، بل أن يتم التعبير عن ذلك في سياق مختلف أو على الأقل بطريقة مختلفة.
السياق المختلف هو أن يركن السيد نجيب الشابي مثلا قبعة السياسي جانبا، ويضع قبعة المحامي أو الحقوقي، بعيدا عن أجواء تحركات وتصريحات جبهة الخلاص.
أما الطريقة المختلفة فهي الدفاع(ولو ضمن الخطاب السياسي) عن حق أي مواطن في معاملة قانونية وحقوقية مهما كان جرمه، دون تخصيص الكلام بأحد الأسماء. ففي النهاية لو ثبت هذا الجرم سينال جزاءه بقضاء مستقل عادل.