كنا نجتمع عشرون أو ثلاثون نفرا في رابطة تونس للثقافة والتعدد، ومعنا الكاتب العام للجمعية نوفل سعيد، ويزورنا أحيانا أخوه قيس سعيد، فنتداول الرأي بخصوص الشأن العام، ونمضي الساعات في مناقشة أفكار بعضنا البعض، فما نخرج إلا ببعض المشتركات وعدد من الاختلافات وبحصيلة جدلية تنسيبية للأفكار.
ولو ذهب كل واحد منا بما استقر عليه رأيه أو بما لم يكن مستعدا للتفريط فيه من القناعات إلى أي فضاء آخر تعددي للنقاش العمومي فلن يتحسن رصيد وجاهة أفكاره كثيرا، بل ستظل دائما نسبية. بما في ذلك أفكار من أصبح اليوم رئيس البلاد قيس سعيد. وأن أبقى أنا فردا من أفراد الشعب ويصبح قيس سعيد رئيسا للبلاد، فلن يتغير أي شيء بخصوص مدى وجاهة أفكار كل منا ونجاعتها.
وأن يستغل اليوم قيس سعيد المكان والمكانة الذين هو فيهما ليقوي من وجاهة أفكاره وأصالتها المعرفية وقوتها الإجرائية، فهذا لا يعد من وجهة نظر علمية بحتة إلا تعسفا على قواعد الفكر العلمي وعلى ضوابط العقل العملي، ولا يعد من وجهة نظر أخلاقية إلا تجاوزا للواجب الأخلاقي، ولن تتمتع أفكاره بأي مزية وبأي قيمة جديدة حقيقية وبأي مشروعية أخلاقية كانت تفتقدها في فضاء النقاش العمومي الحر، خاصة وأننا لما انتخبناه في سياق وظروف يعلمها الجميع، لما نصوت على برنامج قدمه لنا ولا على تغيير النظام السياسي والانقلاب على الدستور، بل فوضنا له دستوريا ما منحه الدستور من صلاحيات ليس بينها الانقلاب على الدستور وضرب النظام الديمقراطي التمثيلي المدعوم بالديمقراطية المحلية(الباب السابع من الدستور). فماذا يسمى إذن الإصرار على منحها عنوة تلك القيمة وتلك المزية؟ يسمى استغلالا للنفوذ، واستبدادا، وتعسفا، وعسفا.
ودعك من أسطورة الشعب يريد والشعب أراد…فما ذاك الشعب المذكور في هذا الشعار إلا نصيبه من المقبولية الشعبية الشعبوية وهم أبعد ما يكون عن تمثيل كل الشعب، وأما من التحق به تاليا فهم طابور الانتهازيين واللحاسين والشامتين في خصومهم.
فأن تسكت على الانقلاب هو أن تسكت على هذه الخديعة…ولن تنزع عنها صفة الخديعة إلا بالتصويت الديمقراطي الحر النزيه والشفاف عليها بالطريقة التي حددها الدستور الذي أقسم قيس سعيد على احترامه والعمل به لا خرقه كما فعل الآن، أو التخلي عنه كما قد يعلن عنه لاحقا.