تهمة تغيير هيئة الدولة أول ما تطالُ تطالُ قيس سعيد نفسه. فهو الذي قام بذلك دون تفويض شعبي ولا مسوغ قانوني. فما سمي مطالبة الشعب بذلك عبر خروج عدد من الأنفار ببعض جهات البلاد يوم 25 جويلية 2021 وحرق بعض مقرات الأحزاب ليس إلا جزءا من خطة مدبرة لإيجاد مبرر وتعلة لإعلان التدابير الاستثنائية وتغيير هيئة الدولة لإرساء نظام على مقاس رغبة قيس سعيد وبعض رفاقه مثل رضا لينين.
فالخارجون إلى الشارع في ذلك اليوم لا يصلون حتى إلى 0,5% من الشعب. والحقيقة أن سعيّد قد أمعن في ذلك اعتمادا على 2% فقط من الناخبين في استشارته للشعب، رغم الدعاية الرسمية الكبرى لذلك الاستفتاء.
وهو الذي غيّر هيئة الدولة بغلق مجلس النواب بدبّابة لوضع مجلس آخر مكانه موال له بالكامل مفتقد للمشروعية حيث أنه لم يحظ إلا بانتخاب ما لا يزيد على 10% من الناخبين أي بمقاطعة من 90% من الناخبين، بعد حل الحكومة وتنصيب حكومة أخرى لا تمثيلية شعبية لها.
وهو الذي ألغى دستور الثورة ووضع مكانه دستورا آخر يكرس الحكم الفردي والنظام الرئاسوي، بمقاطعة من 70% من الشعب، وألغى المجلس الأعلى للقضاء ونصّب مكانه مجلسا آخر موال له، وألغى الهيئة الوطنية العليا للانتخابات ورئيسها الشرعي ونصّب مكانها هيئة أخرى برئيس آخر موالين له، وهو الذي أغلق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. كما استأثر قيس سعيد بكل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية منذ 25 جويلية 2021.
أما معارضوه فهم حقا يعملون على تغيير ما غيّره قيس سعيد، لكن تحت سقف دستور حظي بإجماع وطني، دستور 27 جانفي 2014، وبالعمل على العودة إلى الحالة الديمقراطية مع الحرص على تقويم انحرافها وسدّ نقائصها عبر حوار وطني جامع ثم عبر برلمان شرعي جديد. فما هو الجرم في هذا طالما أنه مسعى مدني سلمي حواري وطني لن يستمد شرعيته إلا من الدستور المجمع عليه ومن اختيارات الشعب الحرة؟
من المعلوم أن كل عمل فاسد محكوم عليه تاريخيا بالبطلان والزوال، وسيقول التاريخ كلمته في كل هذا النزاع، وسيحكم الله في "ما كانوا فيه يختصمون". لا أحد فوق حكم التاريخ ولا أحد فوق حكم واضع سننه ونواميسه.