واجه الفلسطيني ومازال يواجه عوامل السلب، من سلبه لأرضه إلى سلبه لهويته مروراً بسلبه لآماله. وها هو الفلسطيني ينفجر مرة أخرى في شروطه الفلسطينية وفي الشروط العربية والدولية الراهنة.
والعوامل الثلاثة الفلسطينية والعربية والعالمية متشابكة جداً فيما يتعلق بقضية فلسطين. وعلى السياسي والمثقف أن يقدم خطاباً من شأنه أن يعيد للفلسطيني الثقة بتحقق آماله.
من هو الفلسطيني؟ الفلسطيني الآن؟ إنه أولاً وجود متعين بوصفه شخصاً ينتمي إلى هوية أرض، هوية ثقافة، هوية أمة، وإذا حددت أكثر، فسأقول الفلسطيني هو النقيض المباشر للصهيوني، وإذا انتقلت إلى أكثر التحديات دلالة قلت: الفلسطيني هو لاجئ، الفلسطيني هو تحت الاحتلال، الفلسطيني هو حامل جنسية إسرائيلية، وإذا انتقلت إلى ما هو أكثر تحديداً أقول: الفلسطيني، مكافح، مقاتل، متظاهر، رامي حجر.. إلخ.
تعيينات الفلسطيني على هذا النحو، هي تعيينات حقيقية لم أخترعها أنا، إنما وصف لواقع الفلسطيني، بمعنى أني أجرد الصفات الماهوية للفلسطيني الآن بهذه المفاهيم الدالة عليه.
إذا بدأت من الفضاء العربي، أقول صحيح أن هوية الفلسطيني تتكون بالانتماء للأرض، لكن هويته الحقيقية هي الانتماء إلى الكل، لذلك ليس لديه شعور الأقلية حتى وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية، من الصعب أن ينمو لديه ذلك الشعور، لماذا؟ لأنه ينتمي إلى عالم أرحب على عكس الغازي الصهيوني بوصفه أقلية استعمارية غريبة.
الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال يريد أن ينهي الاحتلال (احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة)، وهدفه تحقيق قيام دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس. وهو إذ يكافح من أجل ذلك ولا يقدم خطاباً سياسياً فقط، إنما يمارس على الأرض فعل التحرير وفعل التحرر، وعلى أنحاء مختلفة.
أما الفلسطيني حامل الجنسية الإسرائيلية فهو يريد أن يرغم الإسرائيلي والصهيوني على فكرة المساواة، ونزع الطابع العنصري للدولة، وبالتالي يسعى إلى أن يتمتع بالحقوق التي يتمتع بها اليهودي الإسرائيلي.
وهو يكافح من أجل ذلك عبر المجتمع المدني وعبر تكوين حركته السياسية، وعبر دخوله معارك الانتخابات، وعبر الحفاظ على هويته الوطنية ولغته العربية وقد حقق بعض النجاحات في ذلك، غير أن عنصرية إسرائيل عنصرية مؤسسة للدولة ومتجذرة في وعي الصهيوني، ولهذا فإن أمامه شوطاً طويلاً من الكفاح، فيما الفلسطيني اللاجئ شعاره هو حق العودة إلى فلسطين، وقد عمل على ذلك عبر سنوات طويلة من ثورة مستمرة بأشكال متعددة، وكان التعبير التنظيمي عنها هو منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الكفاح يحتاج لكي يستمر إلى شروط عربية وعالمية مؤيدة لذلك.
يجب أن ننظر للفلسطيني في كفاحه الدائم والطويل على أنه مكافح في حقل حرية تقرير المصير، المصير الوطني والمصير الإنساني، ومما لا شك فيه أن الفلسطيني سيظل في حقل الكفاح المتعدد الذي يقوده في النهاية إلى دولته في عموم فلسطين.
تفاؤلي من أن الكفاح الفلسطيني كفاح شعب محيط بفلسطين من الخارج، محيط بفلسطين من الداخل كذلك، أين سيهربون من الفلسطيني؟ الفلسطيني من أمامهم ومن ورائهم فأين المفر؟ ناهيك عن أن لدى الفلسطيني الإحساس العميق بانتمائه للأمة، هذا أيضاً يعطيه طاقة مضاعفة في الاحتفاظ بأمله الكبير.