حين صغنا مقولة الوسخ التاريخي ،كتبنا بحثاً طويلاً عن مثقف الوسخ التاريخي وتسعيناته الواقعية ،وهذه المقولة الهدف منها تحديد مرحلة تاريخية منحطة بكل ممارساتها وشخوصها .
ونحن إذا نستخدم الآن مثقف الوسخ التاريخي فإنما نقصد به فئة من الذين عملوا في حقل الثقافة ،بمعزل عن مرتبتهم المتوسطة وما دون وتحولوا بعد الربيع العربي إلى لسان حال الوسخ التاريخي بكل تعيناته.ولا نقصد الذباب الإلكتروني الذي تمتلئ به وسائل التواصل الإجتماعي بأسماء مستعارة،فهؤلا آلة من آلات الوسخ التاريخي الواقعي وليس الثقافي.
ما هي غاية مثقف الوسخ التاريخي ؟يسعى مثقف الوسخ التاريخي لنفي موقع اﻹنسان- اﻷنا من الغايات النبيلة لكفاح الربيع العربي بكل ما يعج به من اختلافات.وذلك عبر نزع مفاهيم الحداثة والتنوير والديمقراطية والعقل والتاريخ من الغايات النبيلة للربيع العربي.
مع ان العكس هو الصحيح .إن انتصار الدكتاتوريات بكل اشكالها هي التي هزمت الخطاب الداعي لمركزية الانسان عبر انتصار إرثها الثقافي التقليدي-الديني المتكئ على فكرة الواحدية والعبودية للواحد.
كيف يمكن لخطاب الديمقراطية الداعي الى حق الاختلاف والتعبير عنه وحق الاختيار ان يولد دكتاتوريات. بل على العكس لقد واجه الحاكم العربي ويواجه خطاب الديمقراطية بمفهوم الخصوصية اي بفكرة الركود ضد التاريخ.وهذا هو جوهر خطاب مثقف الوسخ التاريخي
والغاء مفهوم التاريخ من الوعي لا يعني سوى جعل الوعي مسخرة بتشبثه بلحظة من التاريخ واعتبار هوية الاوطان قد انجزت والى الابد.
يجب ان لا يغيب عن بالنا أن الثورات العربية -او التمرد العربي لمن لا يحب مفهوم الثورة-لم تنفجر دفاعا عن اﻹله .فليس اﻹله هو الذي عذب الإنسان وسجنه ومنعه من حق الكلام وأفقر واعدم وهجر، بل هي انظمة الوسخ التاريخي ،ولهذا فجوهر الربيع العربي هو الدفاع عن الانسان وحرية اﻹنسان..اي دفاعا عن التاريخ ضد من ارادوا ان يجمدوا التاريخ ويريدون تثبيته في لحظة وسخه الحاضر،أو يريدون عودة التاريخ إلى زمن مضى من حياته .كلن معيار الربيع العربي ومازال الدفاع عن حرية اﻹرادة التي عبرت عن نفسها بذاك النداء :الشعب يريد.
والمدقق في خطاب الدكتاتور العربي واعوانه لا يجد فيه اي فكرة من افكار الحداثة والتنوير والتاريخ، بل نجد كلمات المعجم القديم ك :الراعي والرعية والبيعة، والقائد، والحكيم، والعظيم.وليس هذا فحسب، بل وخلعت الصفات الألهية عليه.هل كل ما سبق هو ثمرة خطاب التنوير والعقل، والتاريخ، والحداثة، والديمقراطية؟؟؟!
وان الوعي الإقصائي الذي يختفي وراء نقد خطاب الحرية والحداثة والديمقراطية يريد ان يستبدل دكتاتورية بدشداشة ولحى بدكتاتورية بربطة عنق وبزة.
ولهذا فإن مثقف الوسخ التاريخي نوعان : نوع يدافع عن حاضر الوسخ التاريخي بحجة الخوف على الواقع من الأصولية ومظاهرها،ونوع يهاجم الحداثة والعقلانية والديمقراطية باسم العودة إلى تاريخ قديم ،وذم الدكتاتوريات على إنها ثمرة التغرب والحداثة الأوربية.
إن روح الربيع العربي التي ستستمر وفق منطق التاريخ الذي تشهد تحولاته تناقضات تدعو بعض المنتمين هذه الروح،روح العودة إلى الإنسان ومكانته الأساسية في بلاد حطمت فيها أنظمة الوسخ التاريخي الإنسان وأعلنت موته.