صديقي البُرني ماسِح أحذية في شارع باريس بالعاصمة. قَدِم من سفوح جبال الوسط ليُعيلَ عائلته و أولادهُ بالنّزر اليسير الذي تدُرّه عليه مهنتهُ. أنا حريف وفيّ عندهُ و أعرفهُ منذ سنين. هو شخصٌ محبوب و ودود و طيّب و بشوش و طريف و الأهمّ من ذلك كلّه هو أنّه متفانٍ جدّا في عمله.
أقصدُ "حانوته" (كما يحلو له أن يُسميّها) كُلّما تذكّرته و أنا في طريقي للعمل، بالرُّغم من أنّ حذائي في أغلبُ الأحيان، لا يستحقّ مسحًا. أزوره لأستمتع بالحديث معهُ و للسّؤال عن أحواله و أحوال أبنائه.
أوّل مرّة زرته بعد الإنقلاب وجدته بشوشًا و سعيدًا أكثر من عادته و فهمت أنّهُ فرحٌ بالإنقلاب. سألتهُ عن سرّ سعادته فأجابني:
- "سيّد الرّئيس رتّحنا من الخوانجيّة و باش يصلّح البلاد، توّة تشوف"
-سألته:" "وإنت ماكش خايف لا نرجعو للإستبداد كيف ما كُنّا في عهد بن علي؟"
-فأجابني: "بالله قلّي شنيّة عملنا بيها الحرّية؟ ما جابتلنا كان المشاكل. و الخوانجيّة و إلي معاهم عبّوا هوما الفلوس و خلّوا الشّعب جيعان."
- أجبته: " وانت متأكد من الكلام هذا؟"
-أجابني: "الكلام هذا النّاس لكل تحكي فيه، ما نتصوّرش كان يكون غالط. ".
-أجبتهُ: "باهي إنت شنيّة تتوقع باش يعمل قيس سعيّد؟".
-أجابني: " على الأقلّ يرخّصلنا الدّنيا شويّة، راهو الواحد معادش خالط".
عندها إسترسلت في خطاب نظري لا أعتقد أنّه فهِم منه شيئًا كيف أنّ الأسعار، و للأسف، لن تنخفض و كيف أن قيس سعيّد محدود الإمكانات في هذا المجال و و و... عرفتُ من تعابير وجههِ أنّني أضعته في منتصف الخطاب و هو على كلّ حال لا يُوافقني الرّأي. عندها قلتُ لهُ:
- "شنوّة رايك نعملوا خطار يا بُرني؟ كان رخصت البطاطا أنا غالط و كان ما رُخصتش تفهم إلي سعيّد كيفو كيف غيرو...كلام و برّة".
-أجابني: "مشات معاك أستاذ".
منذ ذلك اليوم صار أوّل كلامي معه بعد التّحيّة هو "شنوّة برني؟..رخصت البطاطا و إلا ما رخصتش؟" و جوابه دائمًا هو "صحيح ما رخصتش، أما خلّيه يخدم راهو مزال كيف بدا".
قابلته اليوم ... لم يتغيّر سُؤالي و لم تتغيّر إجابتهُ.
السّؤال الذي يخامرني الآن هو : كم هناك من "بُرني" في هذا الوطن كفَر بالثورة حينما لم يأتي "خيرُها" و إستبشر خيرًا بإنقلاب سعيّد و لا يزال يحدوه أمل أن "ترخُص البطاطا"؟