خلال حقبة السبعينات كانت فينزويلا، و خلافًا لكل دول أمريكا اللاّتينيّة، ديمقراطيّة حقيقيّة تنعم برفاه إقتصادي كبير كدولة مصدّرة للنفط. كانت "الحالة" الفينيزويليّة تثير فضول الكثير من المتابعين لكونها حالة فريدة في محيطها.
تغيّر ذلك كلّه بعد سنوات معدودة عند وصول هوقو شافيز للسلطة و إستعماله لشعوذات دستوريّة للإنقلاب على الدّيمقراطيّة و إرساء نظام دكتاتوري أتى على الأخضر و اليابس من مكتسبات تراكمت خلال الحقبة الديمقراطيّة.
بدأت مشاكل فينيزويلا عندما إنخفظ سعر النّفط كثيرًا خلال الثمانينات و أواخر التسعينات. أثّر الرّكود الإقتصادي كثيرًا على المناخ العامّ في البلاد. قام شافيز، و هو طيّار في الجيش، سنة 1992 بمحاولة إنقلابيّة فاشلة أدّت إلى إعتقاله و الحكم عليه بالسّجن لكنّه تمتّع بعفو رئاسي سنة 1994.
إستغلّ شافيز حالة الرّكود الإقتصادي و الشّعبيّة التي حقّقها بعد المحاولة الإنقلابيّة و قرّر الوصول للسلطة عبر الوسائل الديمقراطيّة للإنقلاب عليها من الدّاخل في مرحلة لاحقة و تأسيس نظام شبيه بالنّظام الكوبي. بدأ شافيز ذلك بتأسيس حزب تبنّى خطًّا شُعبويًّا خالصًا. كان شعار هذا الحزب هو القضاء على (1) هيمنة منظومة الحزبين المهيمنين ما يعني تعديلاً للدستور و (2) فتح المجال السياسي للمستقلّين و (3) القضاء على الفقر.
الإنقلاب مباشرة على النظام القائم لم يكن متاحًا لشافيز لعدّة أسباب. أولها أن الدّستور الفينيزولي كان محصّنًا بشكل كبير للحيلولة دون إستفراد أي جهة بالحكم و النّظام الدّستوري كان شبيهًا بالنظام الأمريكي. أي أن السّلطة التشريعيّة كانت تنقسم إلى غرفتين مع وجود محكمة عُليا و رئيس.
إضافة إلى ذلك كان الدّستور لا يسمح للرئيس بالتّرشّح لدورتين متتاليتين. و كان لا يسمح بالتّرشّح لدورة ثانية إلاّ بعد مرور عشر سنوات على الأقلّ. تغيير هذه القاعدة كان يتطلّب إمّا تعديلاً للدّستور أو تغييرًا كاملاً لهُ. كلاَ الطريقتين هما بيد السّلطة التشريعيّة وحدها و، دستوريًّا، لا دخل للرئيس فيها. و بما أن هذه الأخيرة تُنتخب قبل إنتخاب الرّئيس فهي نظريّاً لا تدين له بالولاء.
فاز شافيز في الإنتخابات الرئاسيّة سنة 1998 بحصوله على 56.2% من الأصوات و مباشرة بعد إعلان فوزه دعا هذا الأخير لإجراء إستفتاء لتغير المنظومة الدستوريّة القائمة برمّتها. قام بذلك بالرّغم أن دستور سنة 1961 لا يحتوي على أي نصّ يتيح له فعل ذلك. و ككُل الدكتاتوريّين قبله، المنطق الذي إعتمده شافيز هو أنّه يحقّ للشعب، من خلال إستفتاء، إلغاء الدّستور القائم و تبنّي دستور جديد !
بطبيعة الحال كان هذا الرّأي راديكاليّا جدًّا و بعيدًا كلّ البعد عن النّظريات الدّستوريّة المتّفق عليها و خطرًا حقيقيًّا على الحرّيات و على المنظومة الدّستوريّة برمّتها. هذه النظريّة تفتح الباب على مصراعيه للدكتاتوريّة لكون أي شخص لديه نزعة سلطويّة، حال فوزه بالرّئاسة، سيدعو لتنظيم إستفتاء يلغي به النظام القائم و يجمّع كل السّلط بين يديه.
عدّة أطراف سياسيّة توجّهت للمحكمة العليا لمعارضة ما دعا إليه شافيز. لكن هذه الأخيرة، جرّاء الضغط الكبير من شافيز و حلفائه، سمحت بإجراء الإستفتاء مُعلّلة ذلك بفوقيّة سلطة الشّعب في تعدّي صارخ على إجراءات و قواعد الدّستور.
إستغلّ شافيز هذه الفرصة و فاز ب 90% من مقاعد "المجلس الدّستوري" الجديد. في أوّل إجتماع له بعد الإستفتاء، طلب شافيز من المجلس حلّ البرلمان و إلغاء المحكمة الدّستوريّة...The rest is history كما يقال بالإنقليزيّة....
لذلك فمن الواضح جدّا أنّ تمشّي سعيّد، حتّى و إن إختلف في التّفاصيل، هو متطابق تمامًا مع ما فعله شافيز في فنزويلا و ما فعله منقلبون آخرون…