حزمة "الإصلاحات" التي يَشترطها صندوق النّقد الدّولي لم تتغيّر أبدًا خلال الأربع عقود الماضية. هي تقريبًا:
▪︎رفع الدّعم بكلّ أشكاله؛
▪︎ خفض عجز ميزانيّة الحُكومة عبر التّخفيض في النّفقات (رفع الدّعم غايته هو تخفيض العجز) أو زيادة في الضّرائب (إذا كان المجال الجبائي يسمح بذلك)؛
▪︎ التّفريط في الشّركات العُموميّة؛
▪︎ الدّفع نحو تحرير القطاع المالي و تحرير حساب رأس المال (capital-account liberalization)؛
▪︎ التّخفيض في سعر العملة المحليّة و الإنتقال التّدريجي نحو نظام أقرب للتّعويم الحرّ للعُملة (في نظرهم إستجابة سعر العملة لقانون العرض و الطّلب هي أداة فعّالة لإمتصاص الصّدمات و التّخفيض في عجز ميزان المدفوعات)؛
▪︎بشكل عام، يجب الحدّ من تدخّل الدّولة في المجال الإقتصادي بهدف عدم تشويه المُنافسة و عرقلة دوران الإقتصاد ككلّ بكامل طاقته الكامنة.
▪︎المُضيّ نحو حوكمة رشيدة و محاربة الفساد و الإقتصاد المُوازي.
في حالة تصبح الدّيون الحكوميّة غير مستدامة و يصبح الإفلاس أمرًا واقعًا و يتمّ الإعلان عن جدولة الدّيون الخارجيّة و\أو الدّاخليّة، عندها يُطلب من الحكومة:
▪︎إيجاد صيغة لتحميل العملاء الدّاخليّين (بنوك، شركات أو حتّى أفراد) جزءًا من العبئ المترتّب عن شطب جزء من هذه الدّيون قبل طلب الدّائنين الأجانب بفعل نفس الشّيء.
هذه تقريبًا أهمّ النّقاط التي يتضمّنها أي برنامج "إصلاحي" يعرضه صندوق النّقد الدّولي على البلدان التي تمرّ إقتصاداتها بأزمات. الفرق الوحيد بين اليوم و خلال السّبعينات و الثّمانينات هو كيفيّة تمرير هذه "الإصلاحات".
فيما مضى طغت على دوائر القرار في صندوق النّقد الدّولي نظريّات إقتصاديّة "راديكاليّة" ترى أن تطبيق هذه الإصلاحات دفعة واحدة و في مجال زمني قصير جدًّا هي الإستراتيجيّة المُثلى للتّعافي رُغم كونها تعني لهذه البلدان تحمّل صدمة إقتصاديّة و ماليّة عنيفة (من هنا جاء مصطلح "العلاج بالصّدمة" في الإقتصاد).
نظريًّا، تبعات هذه الصّدمة ستكون لفترة قصيرة تليها فترة إزدهار و نموّ مستدامة. طبعًا فشلت هذه المقاربة في تحقيق الإزدهار المرجوّ و التّعافي السّريع لأنّها تتجاهل بشكل فجّ الأبعاد الإجتماعيّة و الثّقافيّة و المؤسّساتيّة لكلّ بلد. لذلك غيّر صندوق النّقد الدولي مقاربته و صار يعتمد على سياسة التّدرّج في تنفيذ "إصلاحاته"، إلاّ أنّ برنامج الإصلاحات لم يتغيّر أبدًا و بقي هو نفسه على مدى كلّ هذه السّنين.
لذلك، عندما يقول محافظ البنك المركزي اليوم إنّنا مُقبلون على "تضحيات" و "صعوبات"، لا تذهبوا بأذهانكم بعيدًا. هذه الصّعوبات حتمًا ستكون ضمن النّقاط التي عدّدتها أعلاه. الهدف من هذه "التضحيات" هو إرسال إشارات إيجابيّة لصندوق النّقد و للدّائنين بشكل عامّ أنّنا مستعدّون للقيام بكلّ "الإصلاحات\التّضحيات" المطلوبة لضمان تدفّق التمويلات من الخارج.
إذن، ربّما هذه "التّضحيات" ستكون في شكل:
▪︎تخفيض في سعر صرف الدّينار و السّماح لهذا الأخير بالإستجابة أكثر لقانون العرض و الطّلب (رُغم أنّ هذا لو حدث سيتسبّب في زيادة ميكانيكيّة للمديونيّة!). الهدف منه هو إعطاء الإقتصاد التّونسي مقدرة تنافسيّة أكبر ستنعكس إيجابًا على الصّادرات و بالتّالي تساهم في تحسّن عجز ميزان المدفوعات.
▪︎ربّما يعني بذلك موجات جديدة من الزّيادات في أسعار الموادّ المدعومة لتخفيض العجز الحكومي.
إلخ إلخ…