وكالات التّصنيف أو التّرقيم الائتماني
كثُر اللّغط حول وكالات التّصنيف الائتماني بعد إثارة الموضوع من قِبل قيس سعيّد. تَنَاوُلْ هذا الأخير إن دلّ على شيء فهو يدُل على فهم سطحي جدّا لهذه المؤسّسات و الغاية منها و من عملها. سأحاول من خلال هذه التدوينة شرح الموضوع بطريقة بسيطة ومُختصرة بعيدًا عن الكثير من التّفاصيل و التّعقيدات التِّقنيّة.
وكالات التّصنيف الائتماني : ماهي؟
سأشرح وظيفة هذه الوكالات بمثال سهل و بسيط. فلنفترض أن شخصًا ما يُريد شراء سيّارة مُستعملة. من المُتّفق عليه هو أن سعر السيّارة المُستعملة تحدّده الحالة العامّة لهذه الأخيرة. إذا كانت خبرة المُشتري في تقييم الحالة العامّة للسيّارات محدودة و ضعيفة، فمن المنطقي أن يستعين بشخص "خبير" في هذا المجال. فلنقل أن هذا الشّخص الخبير هو ميكانيكي الحيّ. وكالات التصنيف الائتماني هي ذلك الميكانيكي الخبير، ولكن خِبرتُه ليست في السيّارات، بل هي في "جودة" السّندات السّياديّة (و سندات الشّركات أيضًا).
وكالات التّصنيف الائتماني : ما هي البضاعة؟ من هو الزّبون؟ من هو البائع؟ و من هو الخبير؟
في المِثال السّابق للسيّارات المُستعملة كان لدينا ثلاثة أطراف هم المُشتري و البائع و الخبير (الميكانيكي) و بضاعة (هي السيّارة). في حالة وكالات التصنيف الائتماني المُشترون هم مُستثمرو القطاع الخاصّ الأجانب و البائع هي الدّولة و الخبراء هم وكالات التصنيف الائتماني والبضاعة هي السندات السياديّة.
فلننظر الآن إلى طريقة عمل هذه السّوق (لدينا عرض و طلب و بضاعة يعني سوق). الدّولة التي تحتاج تعبئة موارد ماليّة بالعُملة الصّعبة من أسواق النّقد العالميّة تطلُب من هذه الوكالات تّصنيفها (يعني إعطاءها علامة تُبيّن مدى قدرتها على دفع ديونها في الآجال المُحدّدة) لأن المُشترين بحاجة لمعرفة مُستوى المخاطر (يقابله حالة السيّارة في المثال الأول) و ذلك لتحديد السّعر.
إذا كان مُستوى المخاطر عاليّا (وضعيّة تونس حاليًّا) فالمستثمرون سيطلُبون سعرًا عاليًا (يتضمّن علاوة عالية للمخاطر High risk premium مُقابل شراء السّندات أمّا إذا كان مستوى المخاطر ضعيفًا ستستطيع الدّولة صاحبة السندات التّفاوض على سعر جيّد ( علاوة المخاطر تكون ضعيفة).
أظنّ أنّهُ صار الآن واضحًا أن الدّولة التي تُريد بيع سنداتها في الخارج هي التي تحتاج وكالات التّصنيف الائتماني و ليس العكس. ذلك لأن التّرقيم الذي ستُسنده هذه الأخيرة للدولة المعنيّة يحدّد بشكل مباشر كُلفة الإقتراض من أسواق المال العالميّة.
كيف تتِمّ عمليّة التّصنيف؟
عَمَليًّا، التصنيف يقع بإسناد علامة من مقياس إسمي يبدأ ب"AAA" (أحسن علامة) و ينتهي ب"D "(أسوأ علامة و تعني الإفلاس). مع العِلم أن تصنيف تونس الحالي هو "-B" مع أفق سلبي. يعني تونس تبعد أربع درجات فقط على ال"D !
تصنيف الدّيون السّيادية يعتمد على خمسة عوامل أساسيّة:
1. الوضع الاقتصادي
2. الوضع المؤسَّسِي
3. الوضعيّة بالنّسبة للخارج
4. وضعيّة الماليّة العُموميّة
5. السّياسة النّقديّة
العاملان (1) و (2) يعكسان الوضع الإقتصادي بينما يعكس الثلاثة الآخرون درجة المرونة و مستوى أداء الدولة.
يقع إسناد عدد من 1 (الأفضل) إلى 6 (الأسوأ) لكلّ مِحور من هذه المحاور. المجموع الجُملي يُفضي للترقيم الأوّلي الذي يمكن تعديله إلى الأسوأ أو إلى الأحسن حسب رأي مجلس خُبراء في هذه الوكالات.
هذه هي بِكلّ موضوعيّة و بكلّ بساطة كُلّ الحكاية فيما يتعلّق بوكالات الترقيم الائتماني.