التّحقيق المطوّل الذي نشره موقع الكتيبة بقلم الصّحفي المحترم محمّد اليوسفي و الذي كان موضوعه عمليّة إجهاض البنك المركزي (تحت تأثير البنوك) لمشروع البنك البريدي هو عمل يُذكر فيُشكر و هو، حسب رأيي المُتواضع، إرتقاء بالمشهد الإعلامي و عمليّة سبر دقيقة لخفايا و لثنايا هذا الموضوع.
حسب هذا العمل الإستقصائي، الذي يستند بشكل كبير على تصريحات مسؤولين كبار في البريد، فإنّ المشروع هو عبارة عن بنك يختصّ في إستقطاب و تمويل الفئات الهشّة من المُجتمع (الأشخاص الطبيعيّين و الموسّسات الصّغيرة جدًّا) و التي هي أصلاً خارج المنظومة البنكيّة الحاليّة. إن لم أكن مُخطئًا فإنّ أحد المسؤولين يقول بالحرف أنّه لن تكون للبنك البريدي المُزمع إنشاؤه القدرة على منافسة البنوك فيما يتعلّق بتمويل المؤسّسات الكبيرة و المتوسّطة.
إذن من الواضح أنّ البنك البريدي لن يكون في منافسة مباشرة مع القطاع البنكي لأنّ شريحة الحرفاء التي يستهدفها البنك البريدي تقريبًا لا تتقاطع مع حرفاء البنوك الموجودة على السّاحة.
إذن، التّهديد الوحيد الذي يُمكن لهذا البنك الجديد أن يُمثّله على القطاع البنكي هو إستقطاب و إفتكاك جزء من حرفاء هذا الأخير من الأشخاص الطّبيعيّين حصرًا. هذه فرظيّة معقولة كون الكثير من الأشخاص الطبيعيّين، على ما يبدو، غير راضين على خدمات القطاع البنكي و يعتبرون الخصومات التي يدفعونها مُشطّة. هذا يهم الأشخاص الطبيعيّين فقط لأنّ البنك البريدي، حسب تصريحات مسؤوليه، لن يكون قادرًا على إفتكاك حصّة سوقيّة من الشّركات الكبيرة و المُتوسّطة لعدم قدرته على تمويلها.
هذا التّهديد، أي أنّ جزءًا من الحرفاء سينتقل إلى البنك البريدي، إن تحقّق، سيكون وقعه مرتبطًا بعدد هؤلاء الحرفاء و بمجموع أموالهم المودعة في البنوك. إن كان حجم هذه الودائع كبيرًا فسيخلق ذلك خللاً كبيرًا في توازنات البنوك (مشكلة في السّيولة). لكن إن كانت هجرة الحرفاء من البنوك إلى البنك البريدي ضعيفة عددًا و قيمةً، فلن يؤثر ذلك على القطاع البنكي.
إذن خطر بعث بنك بريدي، إن وُجد، هو إمكانيّة تأثير هذا البنك على التّوازنات الماليّة للقطاع و ليس خطرًا تنافسيًّا لأنّه، و كما بيّنت أعلاه، فالبنك البريدي تقريبًا لن ينافس القطاع على أيّة حصّة سوقيّة، خصوصًا أن الفئة المُستهدفة من البنك البريدي هي فئة لا تهمّ البنوك أصلاً (فئة ذات مخاطر عالية و مردوديّة ضعيفة).
حسب التّصوّر المطروح، البنك البريدي سيكون بالأحرى في مُنافسة مباشرة مع مؤسّسات التمويل الصّغير (microcrédit).
الخلاصة: أنّه بما أن البنك البريدي لن ينافس البنوك على نفس الحرفاء فلن يكون لذلك أي تأثير يُذكر على الوضعيّة الحاليّة لمستوى الخدمات البنكيّة. أي أن بعث هذا البنك لن يجبر البنوك على التّخفيض في عمولاتها. لا يتمّ ذلك إلاّ ببعث المزيد من البنوك التّقليديّة لتخفيض مستوى تركيز القطاع و تنقيح القوانين الموجودة لإجبار القطاع على مزيد التّنافس.