تناقلت عديد المصادر خبر خروج (أو نيّة خروج) شركة H&M للملابس الجاهزة من تونس و صوّرت الموضوع على أنّه كارثة الكوارث الإقتصاديّة. السّؤال هو هل أنّ ذلك كذلك؟
في البداية لابدّ من توضيح أن هذه العلامات التجاريّة المتخصّصة في الملابس الجاهزة و التي تعتمد في غالبيتها على نظام "الموضة السّريعة" (fast fashion) هي في الغالب متواجدة في تونس في شكل إمتياز (Franchise) يسمح لمستثمر تونسي بإستغلال و بيع منتوجات هذه العلامة التجاريّة.
يعني ذلك أنّ المستثمر التّونسي ليس سوى تاجر يبيع ملابس هذه العلامة مقابل هامش تجاري و في المقابل يتعهّد المستثمر\التّاجر التّونسي بدفع كلّ سنة مبلغًا ماليًا قارًّا يتمثّل في كلفة حق إستغلال الإمتياز مع مبلغ مُتغيّر يُمثّل نسبة محدّدة من قيمة المبيعات السّنويّة. يعني هذا أن هذه المشاريع هي مشاريع تجاريّة بحتة تعود أغلب عائداتها للتّاجر التّونسي و للشركة الأمّ.
أيضًا إذا نظرنا لعدد و لنوعيّة مواطن الشّغل التي تخلقها هذه المشاريع، و التي هي في غالبها مواطن شغل هشّة و غير مُستقرّة، تتضح لنا الصّورة أكثر و نرى أنّ هذه المشاريع ليست بالأهميّة التي يتصوّرها الكثيرون.
زد على ذلك أنّ أغلب هذه العلامات التّجاريّة هي على ملك رجل أعمال واحد (و هذه معلومة و ليست تخمينًا) و هي تساهم بشكل كبير في الإجهاز على ما تبقّى من قطاع النّسيج في تونس. كمثال، حسب معلوماتي، لم يبق في تونس سوى مجموعة صناعيّة واحدة لا تزال تنشط في أغلب حلقات سلسلة القيمة (Value chain) لقطاع النّسيج (لن أذكرها هنا لكي لا يُقال أنّني أتحامل على الماركات الأجنبيّة و أساند هذه المجموعة المحليّة!). و حسب معلوماتي أيضًا هذه المجموعة الصّناعيّة المحليّة تعاني منذ سنوات صعوبات ماليّة جمّة و لا أستبعد إفلاسها و إندثارها.
إذن قطاع الملابس الجاهزة في تونس في شكل إمتياز (Franchise) هو قطاع ذو قيمة مضافة ضعيفة جدًّا (في الحقيقة هي تجارة ليس إلاّ!) يقع تحت سيطرة عدد محدود جدًّا من رجال الأعمال و لا يوفّر مواطن شغل معتبرة لا كمًّا و لا كيفًا !
بطبيعة الحال، كل شركة تُفلس أو تغادر هي خسارة فادحة و لكن في بعض الحالات هذه الخسارة ليست بالقيمة التي يتوقعها أغلب النّاس.