سكّ العملة هو حق أصيل لكل دولة مستقلّة ذات سيادة. لذلك كلّ الدول لها الحقّ، نظريًّا، في طباعة أي كميّة شاءت من النّقود في أي وقت تشاء. لكن على أرض الواقع هناك عدة عوامل تحدّد الهامش الذي تملكه الحكومات لطباعة النّقود إلا إذا كانت هذه الحكومات بصدد السّير على خطى الزنمباوي خلال فترة التّضخّم المفرط سنة 2008 و تدمير الإقتصاد تدميرًا كاملا بطباعة النّقود بكميّات خياليّة!
الدّول المحكومة بالحدّ الأدنى من المنطق الاقتصادي السّليم تتعامل بحساسيّة كبيرة مع طباعة النّقود لعدّة أسباب.
(1) طباعة الأوراق النّقديّة تعني عادة(*) إرتفاع الأسعار، و لأن إرتفاع الأسعار هو عادة أمر سلبي من منظور إقتصادي لذلك يجب تفاديه بتفادي طباعة النّقود.
(2) طباعة النّقود تعني إنخفاض سعر العملة المحلّيّة. يمكن لهذا الإنخفاض أن يكون إيجابيًّا من منظور التّنافسيّة لأنّه يجعل السلع المحليّة أرخص بالنّسبة للخارج لكنّه في نفس الوقت يرفع سعر الواردات (السّلع الإستهلاكيّة + المواد الأوّليّة) الشيء الذي يمكن أن يمثّل عبئا إضافيًّا على الحكومة و على الإقتصاد ككلّ.
(3) الحكومات التي لديها ديون خارجيّة ليس من مصلحتها إنخفاض سعر صرف عملتها المحليّة لأن ذلك يرفع أوتوماتكيًّا عبىء المديونيّة الخارجيّة و يمكن أن يتسبّب في أزمة مع الجهات المانحة.
(4) إنخفاض سعر العملة بسب طباعتها بطريقة عشوائيّة من شأنه أن يبعث إشارة سلبيّة للمستثمرين الأجانب بخصوص مردوديّة إستثماراتهم عند تحويل هذه الأرباح من العملة المحليّة إلى العملة الصّعبة.
(5) أيضًا بالنّسبة للدول المستفيدة من برامج صندوق النّقد الدّولي، لا يمكن لحكوماتها تخيّل أن يسمح لها الصّندوق بطباعة عملتها كيفما إتّفق و يمكن أيضًا تخيّل أن تكون عدم طباعة العملة واحدة من الشّروط الجوهريّة للصندوق للمضي في برنامج مساعدتها للحكومة.
كلّ هذه العوامل، و خاصّة منها النقطة رقم (5) تجعلني شبه متأكّد أن البنك المركزي ليس بصدد طباعة الدّينار على نطاق واسع. سنعلم ذلك لو حصل بتحذير شديد اللهجة من صندوق النّقد الدّولي. في كلّ الحالات يمكن التأكّد من ذلك بسهولة بتحليل منحى تطوّر حجم الكتلة النّقديّة بمختلف تعريفاتها (M1, M2, M3).
(*) تقول لنا النظريّة الإقتصاديّة الكانيزيّة أن طباعة النقود بكثافة لا يؤدي إلى تضخّم في حالة وجود الإقتصاد في "فخّ السّيولة" لأنّ العوامل الإقتصاديّة تدّخر فائض السّيولة عوض إستعمالها في الإستهلاك الشّيء الذي يعني غياب التّأثير على التّضخّم.