لماذا لم تسقط أوكرانيا رُغم الفارق الكبير في قوّة النّار؟ لماذا لم يتخلّى الجيش عن الرّئيس "الشّعبوي" و عديم الخبرة زيلنسكي؟ لماذا لم يتخلّى الشّعب عن الرّئيس و عن الحكومة؟ لماذا كلّ هذا الإلتفاف حول القيادة و الإصطفاف خلفها لدحر العدوان؟ في إعتقادي الجواب واضح و جليّ و يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: الدّيمقراطيّة.
أيّ نظام ديكتاتوري، حتّى و إن دام سنوات عديدة، هو يبقى في حالة توازن غير مُستقر سرعان ما ينهار بإنهيار عوامل بقائه المُتمثّلة في أدوات القمع و التّرهيب و إسكات الخصوم. و حتّى الطّبقة التّابعة التي يعتمد عليها أي نظام ديكتاتوري ليحكم هي غالبًا ما ترى أنّ علاقتها بالدّكتاتور هي علاقة مصلحيّة بحتة و تخضع بالتّالي لمنطق التّكاليف و الفوائد.
لذلك هي سرعان ما تنسحب و تتخلّى عن دورها إذا إرتفعت تكاليف الموالاة. أيضًا، الشّعوب المقهورة و المقموعة لن تُحرّك ساكنًا و هي ترى جلاّدها يتهاوى؛ بل ستزيد من الظّغط لتسريع الإنهيار. لذلك تبقى الأنظمة القمعيّة أنظمة في حالة توازن غير مستقرّ لا مستقبل لها إلاّ التّفكّك و السّقوط و الأمثلة على ذلك عديدة و متعدّدة.
على عكس الأنظمة الدّكتاتوريّة، الحكومات الدّيمقراطيّة هي أنظمة غالبًا ما تكون في حالة توازن مستقرّ. بمعنى، حتّى و إن حادت عن أهدافها بسبب الأزمات و الصّعوبات فهي تعود إلى وضعيّة الإستقرار الأولى و بالتّالي من الصّعب الإطاحة بها خاصّة إذا كان ذلك بفعل إرادة قوّة خارجيّة معادية.
لذلك عندما إنتخب الشّعب الأوكراني رئيسه بنسبة تفوق 70% بكلّ حرّيّة و ديمقراطيّة، فهو قطعًا لن يستمع لنصيحة بوتين بتصفيته و تنصيب تابع يكون دمية بيد الدّيكتاتور الرّوسي. لأنّه عندما تنتخب المجتمعات قادتها فهي مُستعدّة للدّفاع عنها لأنّها ترى فيها إمتادًا لها و بالتّالي هي لن تتخلّى عنها.
الشّعوب التّي ذاقت الحُرّيّة لن ترضى بالأغلال و بالتّبعيّة بسهولة و هي غالبًا ما تخيّر المواجهة و الموت على الذّلّ و الحياة.
ربّما هذه النّقطة هي التي غابت عن ذهن بوتين و أفسدت كلّ حساباته.