وهل هو استحقاق سياسي ام نزوة؟!
حدث ان غيرت الجامعة التونسية لكرة القدم لوائحها لإنقاذ فرق عريقة (من خارج الأربعة الكبار) من السقوط... فكان تنقيح اللوائح في حالات كثيرة... بغرض تحقيق ما عجزت عنه الارجل والخطط التكتيكية فوق المستطيل الأخضر عن طريق لَوائح تصوت عليها الفرق الصغرى المهيمنة داخل الجلسة العامة للجامعة... يبدو أن المشهد السياسي لا يبتعد كثيرا عن واقع كرة القدم…
النظام السياسي لا شك انه يعاني حاليا من عطالة دمرت الاقتصاد والمؤسسات... لكن ما ينساه او يتناساه الجميع ان الأنظمة السياسية لا تصنعها انظمة الاقتراع ولا منوال العلاقة الشكلية بين السلط (رئاسي برلماني شبه شبه) …
وكما قال Michel Crozier أحد أكبر علماء الاجتماع في القرن ال 20... "لا نغير المجتمع بقانون"..
النظام السياسي هو محصلة ديناميكية اجتماعية القانون أحد مكَوناتها... هذه الديناميكية يحركها أيضا الإعلام الحر والنزيه والقضاء المستقل والكفؤ والحياة الحزبية السليمة ومجتمع مدني حقيقي وفاعل وغير مشوه…
لمن يرجع سبب الداء إلى النظام البرلماني..نقول بريطانيا مهد النظام البرلماني..وفيها حياة سياسية مستقرة..
من يتعذر بنظام الاقتراع النسبي نقول بلجيكيا و إيطاليا وإسرائيل (اسمها هكذا في الأمم المتحدة!)... من يتحدث عن نظام الاقتراع على الافراد... فليبشر بدخول بارونات المخدرات والقمار حلبة السياسة من بابها الكبير...وليعد العدة لعودة عقلية المشايخ ووجهاء القوم والعروشية...ولم لا فوز "علي شورب" جديد بالانتخابات التشريعية القادمة.!؟ …
لازلنا نلف وندور حول ما يجب أن نفعل…
لن يكون هناك نظام سياسي مستقر وفعال ولو غيرنا كل القوانين ما لم تعالج أسباب الفشل الحقيقية... وهي اساسا:
- الانقلاب على نتائج الانتخابات في كل مرة والعمل بلا هوادة على إفشال اي سلطة جديدة... (الشاهد احد الضحايا الأكثر ميلودرامية. لما انقلب عليه حزبه) …
- الفساد المطبق الذي يعاني منه الإعلام لأسباب كثيرة... منها الوضع الاجتماعي المأساوي للعاملين فيه وكثرة الدخلاء.
- الارتباك الكبير الذي يعاني منه القضاء بسبب التجاذبات السياسية التي تشقه من جهة... وتحول المؤسسة القضائية إلى مؤسسة تعمل بدون محاسبة... ولو داخليا…
- الانهيار الكبير للإدارة التي أصبحت ثقبا في الميزانية تستهلك أكثر مما تنتج... والتي يفترض ان تكون صمام امان لعدم الاستقرار السياسي... مما يتطلب اصلاحات عميقة و لا يمكن بالتالي للاجراءات الفردية (العزل و الاعفاء والنقل و التسريح والإحالة على التقاعد... الخ) ان تنهض بها…
- هيمنة عقلية التواكل وغياب الضمير في العمل... والتعاون فيه خارج اي مساءلة…
- عدم ارتقاء أداء السياسيين إلى درجة مقبولة من النضج في تحديد الاولويات...وغياب الواقعية السياسية.
- واخيرا وليس اخرا... عزوف اكبر طاقة في البلاد عن الشأن السياسي وهي الشباب…
- لا نعي بوضوح ان مشكل نظام الحكم. يكمن إلى حد بعيد في مخالفته وليس فيه... فلا رئيس الدولة مقتنع بمحدوية صلاحياته ولا رئيس البرلمان مقتنع أيضا بمجالات تدخله... ولا اغلب البرلمانيين واعون حقيقة بمهامهم التي انتخبوا من أجلها...
حصر المشكل في نظام الحكم régime politique في حين ان النظام السياسي système politique برمته…يعاني في مفاصل ليس القانون الانتخابي أبرزها…يعد هروبا من الواقع… وارتماء في حضن الحلول السهلة…وربما تعبير عن نزوة أو حالة حرمان دفينة…من عدم تحقيق ما عجز عنه الصندوق… هذا دون أن نهمل الحاجة الملحة لعديد الإصلاحات التشريعية ومنها القانون الانتخابي…