الحق في مطالبة الدولة بالتعويض عن الاضرار التي تتسبب فيها الدولة لمواطنيها أو للغير حق اقره لأول مرة الأمر العلي المؤرخ في 27 نوفمبر 1888 والذي بقى ساري المفعول إلى حد صدور قانون عدد 38/96 في 3 جوان 1996 المتعلق بالمحكمة الإدارية.
ماذا يقول القانون (الفصل 17) : كل من يتضرر من فعل أو عمل من أعمال الادارة من حقه المطالبة بالتعويض (موظف معزول دون وجه حق. مستثمر حرم من الاستثمار. مريض تعرض لخطا طبي. سجين ثبتت براءته (قانون 2003)...وصاحب صفقة عمومية لم يتحصل على مستحقاته...شاب يتدرب بقاعة رياضية وسقط بسبب أرضية القاعة السيئة أو مالك أرض انتزعت منه لإقامة مشروع عمومي (طريق او جسر... الخ...) . كل هؤلاء يتم التعويض لهم...
المحكمة الإدارية (منذ 1974) و المحاكم العدلية (منذ 1888) تحكم بالتعويض عن هذه الاضرار ضد الدولة وبمبالغ احيانا طائلة.. لأن الدول المتحضرة تضمن للأفراد التعويض لهم عن أي ضرر يحصل لهم بفعل الإدارة…
طيب اذا كان صاحب الصفقة الذي لم يحصل على مستحقاته و الموظف المعزول و المقاول الذي لم يحصل على اقساطه محق في المطالبة بالتعويض لأي سبب ولو كان شكليا... هل من حق من وضعوا له قارورة رأسها مكسور في مؤخرته أو امرأة تم اغتصابها خلال التحقيق أو عسكري تم اخصاؤه خلال الايقاف في قضية براكة الساحل.. أو قاض عزل لمدة 30 سنة (ص م) هل لهؤلاء الحق في التعويض.. ؟ دعنا من الأخلاق والضمير.. فيبدو أنهما انقرضا...لكن حسب القانون كيف تجيبون على هذا السؤال؟
الجواب عند المحكمة الإدارية قبل أن توجد هيئة الحقيقة وَقبل الثورة اصلا.. حيث قضت بالتعويض لصالح عدد لا بأس به من ضحايا الانتهاكات.. مثل قضايا المجموعة الأمنية وناشطين سياسيين من مختلف الحساسيات السياسية..
***بعد الثورة... اختار الضحايا أو لنقل المتضررين ممن حرموا من الشغل أو تعرضوا للتعذيب احد المسارات التالية :
1. إما المحكمة الإدارية.. وقد صدرت أحكام لفائدة المئات منهم... خارج مسار العدالة الانتقالية خاصة جماعة براكة الساحل.. (الدائرة 2 و5).. وقبل أحداث الهيئة...
.2 أو المحكمة العسكرية التي أصدرت أحكام بالا انك كما َقبلت بالقيام بالحق الشخصي (التعويض).
.3أو هيئة الحقيقة والكرامة بالنسبة لمن رغبوا في ذلك لما وفره قانون العدالة من حق الكشف عن الحقيقة و الاعتذار ...وعدم التكرار.
وهناك من اتبع المسارات كلها أو بعضها بالتوازي…
من ناحية ثانية:
لم لم نتساءل؟ التعويض هو مسار من مسارات التسوية ورد الاعتبار أليس هناك أشخاص اخرين انتفعوا بالتسويات من الدولة لحد الان ؟ ولم نرفض التسويات لضحايا الانتهاكات ونقبلها لشرائح أخرى من المجتمع؟
*'اول تسويات مالية فعلية (واوكد على كلمة فعلية) حصلت من الدولة كانت للأشخاص الذين كانوا يعملون في أوضاع هشة (عملة الحضائر والاليات... وتم ادماج قرابة 70 الف في عهدي محمد الغنوشي والباجي رئيس حكومة) …
الصنف الثاني ممن انتفعوا بالتسويات ورد الاعتبار.. آلاف الموظفين الذين كانوا يشتغلون في رتب أدنى من مستواهم التعليمي...أو لم ينتفعوا بالترقيات الالية.. وقد انتفعوا بالترقيات الالية بفضل الثورة.. فأصبحت لدينا انظمة أساسية وخطط-رتب grade fonction في عديد القطاعات فضلا عن الترقية الالية التي اجهزت على جودة الوظيفة العمومية....حتى أصبحنا نرى إدارة في شكل جيش مكسيكي…
القائمة طويلة لمن انتفعوا بالتسويات والإعفاءات وتنازلات من الدولة عن حقوقها في غمرة الانتشاء بالثورة...إلى اليوم.. آخرها اضراب القضاة واعوان القباضات في "طمبك كورونا"…
***نرجع لصاحبنا الذي لازالت آثار القارورة في مؤخرته... هل من حقه المطالبة بالتعويض وفق القانون التونسي؟ تماما كصاحب المقهى الذي تعرض لقرار غلق وطالب بالتعويض عن غلق المقهى؟ أيهما أشد وقعا على ضمائرنا غلق المقهى بالشمع؟ أم غلق مؤخرة صاحبنا بقارورة مكسورة؟
من وضعوا له قارورة في مؤخرته فليذهب إلى الجحيم هو ومؤخرته العفنة...وليغرب عن وجوهنا وهو واسته النتن... كيف يطلب التعويض عن الانتهاكات في وضع صعب مثل كوفيد 19؟ وهو سؤال نطرحه أيضا على السادة القضاة المضربين لمدة شهرين قصد الترفيع في الأجور وموظفي القباضات منذ شهرين َوغيرهم كثير؟
في جنوب أفريقيا لا تزال شركات أمريكية ضخمة مثل IFM وdaimler مطلوبة للتعويض عن مساهماتها في الانتهاكات المرتكبة... كل دول أفريقيا الأخرى دفعت التعويضات (زيمبابوى و مالاوي..)... لما نؤمن بدولة الحق و العدل.. لا نبحث عن دين أو حزب أو اصل صاحب الحق.... لذلك amnesty International " و human watch "العلمانيتين" عارضتا تركيز سجن guantanamo الذي احتضن إرهابيين حقيقيين...وتناهضان النظام المصري بسبب قمع الإخوان (الذين لا نشك في اطروحاتهم الرجعية)..
على من يستكثر على رجل عذب ونكل به.. وقطعت اوصاله حقه في جبر الضرر.. ان يمتحن نفسه أخلاقيا هل يجوز له هو مطالبة الدولة بمد المساعدة له و الترفيع في اجرته وتلقيحه بالمجان ام لا؟
عليه أن يمتحن نفسه اخلاقيا: هل على أبناء من انتهكت حقوقهم ممن اقلعوا عن الدراسة خلال لأن والديهم في السجن ان يدفنوا أنفسهم أحياء وينسحبوا من المشهد؟ لأن اباءهم ينتمون لحزب فشل في قيادة المرحلة...؟ هل انتم مستعدون لمطالبة المحاكم بالتوقف عن تمكين من انتزعت اراضيهم للصالح العام.. من التعويض؟ مادام السبب وضع المالية العمومية... ؟
واذا كان السبب ان النضال لا يجب أن يجازى عليه أصحابه.. فلم تناضلوا كل يوم من أجل الزيادة في الأجر...ومن أجل... ومن أجل..... وانتم تعلمون ان الدولة في عجز مالي؟ وهل على اليمنية توكل كرمان ان تعيد الأموال التي حصلت عليها من جائزة نوبل للسلام لأن النضال لا يقاس بالمال؟ هل تعني لكم الديموقراطية والحرية ودولة الحق شيئا ام لا؟ أم تريدوننا ان نتحول إلى دواب همهم الوحيد دولة توفر لهم القرط والسداري؟
كيف ندفن حق من دخل السجن من أجل قصيدة أو مقال صحفي ونقبل بحق من تضررت سيارته بمستودع الحجز الديواني في المطالبة بالتعويض؟ رغم اني اعتبر ان الحق الأول أكثر نبلا وارفع قدرا... لكن أعجب لمن يرفض حتى المساواة بين هذا و َذاك..
هل تدحرجنا إلى مستوى هذا الوعي البقري بان النضال السياسي عيب وخطأ؟ بسبب خصم سياسي "غلّب علينا"... ؟ مسار العدالة فيه ثغرات كثيرة.. والجميع يتحمل المسؤولية من أساء صياغة القانون ومن عطل عمل الهيئة...نعم لتصحيح المسار لا الانقلاب عليه...
معلومة شخصية:
نبت اما الهيئة زوز دساترة من رفاق بورقيبة الوطنيين تعرض احدهما للتنكيل والانتهاك والتفليس والثاني قتل شقيقه في علاقة بتصفية أنصار بورقيبة..بعد.7 نوفمبر1987... اعترفت الهيئة لأحدهما بأنه حالة انتهاك ورفضت ملف الثاني...للأسف...لأنها عجزت عن الكشف عن الحقيقة…
ختاما معركتنا اليوم كوفيد197 اللعين...فلا تشوشوا على الجيش الأبيض....