صدر مؤخرا تصريح عن سياسي سوري أعلن فيه بأن شبانًا تونسيين “متطوعين” يخوضون معركة مكافحة “الإرهاب” في صفوف مقاتلي الحرس القومي العربي التابع لجيش بشار الأسد. لم نكن ندري مدى وجاهه وصحة هذا التصريح، حتى وقع تأكيده بتصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، ما يؤكد رغبة السلطات في دمشق في توجيه رسائل عدة منها احراج بلادنا و محاولة ابراز ضعف مؤسساتها وعجزها، وتعدد الولاءات والمصالح داخلها، وإخراج هذه المؤسسات في شكل المتعاون في تسفير التونسيين الى سوريا.
لأنه لا يمكن عمليا ولوجيستيا السفر والانخراط في القتال الى جانب قوات بشار الأسد دون الحصول على تسهيلات من متعاونين واداريين وشبكات منظمة، وليس أمام اللجنة البرلمانية التي تم المصادقة عليها مؤخرا إلا التسريع بالتحقيق في هذا الأمر وملابساته حتى لا يتحول هذا التصريح الى نوع من الدعوة المباشرة للشباب التونسي كي يلتحق بصفوف ما بقي من جيش بشار الأسد الذي تقاتل معه قوات أجنبية وعدد من المليشيات والمرتزقة الأجانب.
فجميع الدول التي تحترم شعوبها ودساتيرها وقوانينها لا يمكن أن تسمح لمواطنيها بالذهاب الى مناطق الحروب والانخراط في التدرب على السلاح والقتال وتكوين المليشيات خاصة. فاليوم الميليشيات المسلحة في المنطقة أصبحت تمثل أمرا واقعا وتمردت على السلطات الرسمية في بلادها، ولها ارتباطاتها وأجنداتها الإقليمية الخاصة وهي بمثابة القنابل الموقوتة يمكن أن تفجر المنطقة في كل وقت والإعلان عن وجود مجموعات تونسية منظمة يعتبر أمرا في غاية الخطورة ويجب التعامل معه بالجدية الكاملة احتراما للدولة وحماية لمستقبل تونس وأجيالها .
ومن المعلوم بأن الدولة اذ ما أخذت قرارا بالدخول في حرب ما، فإنها ترسل القوات العسكرية النظامية وهذا لم يحصل، والحال أن بلادنا ليست في حالة حرب مع أي كان بل تسعى بما لديها من مكانة رمزية وقدرات الى ايجاد حلول ترضي أطراف النزاعات في بلدان الثورات العربية، ولذلك فإن جميع التونسيين مهما كان انتماءهم وولاؤهم المتواجدين في مناطق القتال ويشاركون في الحرب هم يعملون ضد مصلحة تونس ويسيئون لشعبها، ووجب محاسبتهم على ما اقترفوه من جرم وخيانة بحق بلادهم وسمعتها والإساءة البالغة لمصالحها.
فالقتال في سوريا هو اليوم حرب بالوكالة بين أطراف خارجية وتنفذه الأيادي السورية و يمثل نظام دمشق أحد أطرافها وأدواتها، وما المفاوضات في استانا والإعلان عن الانطلاق في مفاوضات جينيف بحسب الاتفاقيات الروسية والتركية الا دليل على مصالح وأجندة كل طرف في سوريا .
لقد انخرط شعبنا بقوة في التخفيف من محنة الشعب السوري وتجلى ذلك من خلال مبادرات المجتمع المدني والسياسي من أجل حقن الدماء والحيلولة دون ازهاق الأرواح، وأرسلت المساعدات من أغذية وأدوية، من أجل استعادة الحياة لا للمساهمة في القتل والدمار واشاعة الخراب في البلاد لخدمة مصالح غير وطنية ولا عربية.
إن أهمية هذا التصريح تكمن في كونه سيساعد على كشف شبكات تسفير التونسيين للقتال في بؤر التوتر، كليبيا وسوريا والعراق، وهي كلها بلدان شقيقة نحرص على استقرارها وتماسكها ووحدتها. ووجود مقاتلين تونسيين فيها تحت أي مسمى هو اعتداء على تونس ومؤسساتها وأمنها وترابط مجتمعها. ووجب التعاطي مع الموضوع بجدية ومسؤولية كبيرة حتى لا تتحول البلاد الى فضاء نزاعات بين أنصار طوائف فكرية ومليشيات حزبية وجماعات مسلحة، واذا ما أضفنا اليها بارونات الفساد فان هذه الوصفة كفيلة بتدمير مكتسبات الشعب التي حصل عليها بعد كفاح وقتال ونضال ضد الاستعمار والغزاة والبغاة.