باعتقادي أن زيارة وزير الداخلية السيد لطفي ابراهم للسعودية وما راج حولها في غياب التصريحات الرسمية وهجوم بعض الأمنيين المسلحين من "النقابات الأمنية" على المحكمة في جهة بن عروس هما أخطر حدثين وقعا بعد الثورة في تونس .
فالاغتيالات السياسية الجبانة يمكن تفسيرها في سياق المستفيدين والمتضررين من المسار التونسي الذي لازال يكسب مناصروه معركة فرض الديمقراطية على أعدائها أو الذين أصبحوا خصومها .
والتدخل الخارجي المفضوح والعربدة الهجينة للبعض تجد تفسيرتها في الخوف من فقدان بعض المصالح أو الخوف من نجاح التجربة وتحولها الى مثال يحتذى به لذلك أصبح مثال تونس كقصة سيدنا يوسف مع اخوته وأبيه.
والإرهاب والفساد هي معارك مفتوحة مع الشعب والدولة وهي أورام خبيثة وجب بترها ليتعافى الجسم وقد أثبت الشعب في أكثر من مناسبة رفضه القاطع للإرهاب وتشجيعه وترحيبه بكل خطوات التصدي للفساد من أي جهة كانت.
خطورة هجوم بعض العناصر الأمنية المسلحة على المحكمة فيه أكثر من رسالة للداخل والخارج ليس أقلها استباحة المؤسسات و تعميق العداء في المجتمع بين الشعب و شريحة من الأمنيين وهو ما سيدفع بهؤلاء بالاحتماء بمن له قوة التأثير في الأعلام الموجه والذي عرف بعدائه للثورة ومخرجاتها .
وربما هذا ما دفع بالعديد من التونسيين الى وصف التصرف بأنه عمل مليشيات مسلحة لا تخضع لسلطة القانون بل ربما تتطور لتصبح عرضة لابتزاز ملوك الفساد وخدمة أجنداتهم . وربما الرسالة الأخطر هي الايحاء بغياب لسلطة الدولة وهيبتها وتطاول الكل عليها من عصابات اجرامية محترفة الى التسريبات حول التخابر الأجنبي وعربدة بارونات الفساد وصولا الى سلوكات مستفزة وغريبة وبحماية بعض النقابات كل هذا بالتوازي مع التطاول الخارجي على البلاد ومؤسساتها الدستورية.
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الشعب محاسبات وعقوبات تتماشى والجرم المرتكب بحق الدولة ومؤسساتها تأتي الصدمة مرة أخرى من الرياض.
لا أفهم لماذا تصر العربية السعودية على فتح جبهات وتعميق شعور الريبة والتوجس لدى الشعوب العربية وهي التي من المفترض أن تكون "البيت الكبير" الذي يلتقي فيه الجميع. ولكن ما يهمنا هنا هو أنه حصل أمر غير مألوف وغير عادي في العلاقات بين الدول . ومطلوب وبإلحاح من ممثلي الشعب أن تتم مساءلة السيد الوزير حول الزيارة ومخرجاتها والأفضل أن يكون ذلك في جلسة خاصة ولا تنقل إعلاميا اذا ما تبين أن الأمر يحتوي على معطيات أمنية حساسة .
ان الأمر يستدعي وقفة جادة وحازمة لإيقاف النزيف ويستوجب من العقلاء الانتباه واليقظة الدائمة لمزيد ترسيخ المسار الديمقراطي حتى لا يتم التلاعب بمصلحة الشعب والأجيال وتهديد البلاد وسمعتها.
يا سادة العالم ان العالم لازال يرقبنا والعدو يترصدنا والصديق يتألم لوضعنا وشعبنا تائه وحائر وشبابنا لا حيلة له وأصبح متعلقا بالأوهام لينسى الواقع الذي يعيشه.
لنكن واضحين اذا مرت حادثي الاعتداء على المحكمة دون محاسبة وتم تجاهل مخرجات زيارة وفد وزارة الداخلية التي وبحسب التقارير الإعلامية لم يتم تنسيقها مع رئاسة الحكومة ولا وزارة الخارجية وتأتي في سياقات خلافات واجندات داخلية وخارجية فانه سيأتي اليوم الذي نبكي فيه بلدا لم نستطع أن نحمي فيه ثورة حرية وكرامة استشهد وجرح من أجلها الالاف.