هناك سياقات عامة لابد من تأملها لمحاولة فهم ما الذي يجري على الساحة التونسية والهدف من محاولة النيل من الدكتور المنصف المرزوقي.
ليس خافيا أنه بالرغم من ضراوة الحرب التي أُعلنت على الربيع العربي والإمكانات الكبيرة التي وضعت على ذمة الخصوم فان مجريات الأمور تسير باتجاه حقوق الشعوب ودحر منظومة الفساد والديكتاتورية والخيانة والغباء السياسي – فالثورة المضادة دخلت مرحلة الأنعاش في مصر وسوريا وهي تحتضر في اليمن وليبيا وهي ترتعد في الأمارات وتائهة في تونس.
بالرغم من الانتكاسات فان شرعية الحقوق التي قامت من أجلها الشعوب لازالت قائمة بل وترسخت أكثر ورموز الثورات يزدادون قوة بالرغم من كل المعوقات .
قدرة التيار المحافظ على ادارة الصراع سواء في البناء (المغرب/تونس) أو المقاومة (ليبيا/اليمن/سوريا) أو الاستنزاف (مصر) او مقارعة الاحتلال (فلسطين) أربك كل الحسابات وشتت التحالفات وجاء انتصار حزب العدالة والتنمية في تركيا ليزيد من رفع المعنويات ويعمق عزلة الخصوم.
تشتت جهود المؤسسة الأمنية بانخراط جزء من نقاباتها في الصراع السياسي وإنهاك المؤسسة العسكرية لتزايد الحاجة لحماية البلاد من المخاطر الخارجية والداخلية وعدم قدرة مؤسسة القضاء على القيام بدورها على أكمل وجه مع تكرارا لتساؤلات حول من يقف وراء التصفيات السياسية والاغتيالات اضافة لعوامل أخرى كثيرة أضعف المؤسسات وجعل الكثيرين يتجرؤون على الدولة ويتطاولون عليها وعلى رموزها.
وباعتقادي فان التقدم الجدي للأبحاث في ملف الخروقات التي شابت الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية وبالأساس في موضوع "تصويت ألأموات والأجانب" وقرار القضاء بالعقلة على السجل الانتخابي وتشعب خيوط العملية يجعل الجهات التي لا ترغب مستقبلافي رؤية مسار ديمقراطي ناجح وعمليات انتخابية نزيهة وشفافة يشعرون بالخطر على مصالحهم ومخططاتهم .
كما كنا ونبهنا سابقا فان الصراع المحتدم بين الأجنحة المتصارعة داخل الحزب الحاكم وضعف أداء الحكومة والرئاسة سيؤثر حتما على أوضاع البلاد في عديد المجالات وفي مقدمتها الملف الأمني لأن الإرهاب يتربص بالجميع ويقرأ جيدا مواضع الضعف والتشتت ويسعى لخلط الأوراق وبعثرتها .
يصعب فهم منطق من يستهدفون شخص المنصف المرزوقي فالرجل تميز خلال فترة حكمه بالصدق وقبول للحوار و طالب بعدم إقصاء أي شخص الا أولئك الذين ادينوا في جرائم اثبتها القضاء والقانون ، و كان راعيا للحوار منذ البداية واستقبل جميع الاطياف السياسية وتحمل الكم الهائل من الانتقادات التي طالته والتي وصلت في بعض الاحيان الى السباب ورغم ذلك لم يقاض اي شخص او يقمعه كما انه ضمن طيلة توليه الرئاسة حرية التعبير لكافة الاعلاميين.
أضف لذلك فان برنامج الحملة الانتخابية كان يقوم على نقاط واضحة تجمع الشعب ولا تفرقه وتحقّق التنمية العادلة لكافة جهات الجمهورية دون اقصاء او تهميش، وينصّ على الدفاع عن الحقوق والحريات وخدمة مصلحة البلاد وفق المبادئ ويشدد على استقلالية القرار السيادي لتونس، ودون التفريط في الحريات المختلفة.
كان هذا هو الحلم واليوم نكتشف أن هناك من أبناء جلدتنا من لا يروق له رؤية رئيس سابق بمثل هذه الاخلاق والقناعات ويعجز عن التعبير بالوسائل الديمقراطية المتاحة ويلتجئ الى التصفيات الدموية والأساليب الأجرامية المكشوفة . مطلوب من السيد رئيس الجمهورية الحالي توفير قدر أكبر من الحماية للدكتور المرزوقي ولعل زيارته الى سويسرا هذا الأسبوع تساعد على كشف خيوط العصابات الضالعة في الأغتيالات وتعطيل مسار البلاد وتبقى الأولوية - كما جدد لي القول د المرزوقي هذا المساء - هي في استرجاع أموال البلاد لتشغيل شبابنا ومحاربة الفقر.