حقيقة العزوف ليست لأن أغلبية التونسيين مطبعون مع الفساد كما جادت به قريحتك الفاسدة. حقيقة العزوف هي أن هناك 9 بالمئة من الشعب (إلا البطاقات البيضاء المعبرة عن عدم الرضا) لا يقلقهم هذا المسار غير الديمقراطي - مثلك تماما- و هم غير مهتمين بالمنحى الإنفرادي و المتسلط لقيس سعيد - مثلك تماما-.
و حقيقة العزوف أن نسبة كبيرة من المواطنين لا يهمهم ما يجري في البلاد، هم ليسوا معك و ليسوا مع رئيسك و ليسوا مع الدولة و ليسو مع الجمهورية... هم مستقيلون من الشأن العام تماما و لا تهمهم الاحزاب و لا قيس سعيد و لا هياة بوعسكر.
ثم هناك قسم لا يستهان به ممن إختارو المقاومة ضد الاستبداد و ضد الرّداءة السائدة - و أنت و هيأتك جزء هام منها- و إختارو التعبير عن ذلك بمقاطعة واسعة لهذا المسار الفاقد لأبسط مبادئ الشرعية و الدعوة للمقاطعة. هذه الدعوة كان لها صدى عند شرائح عديدة من الشعب التونسي، و طبيعي جدا أنك لا تستطيع رؤيتها او قبولها فأنت وضعت نفسك كجزء من هذه المنظومة المرفوضة.
و لعلي أنتهي بتذكير من لا يعرفك انك كنت جزءا في السابق من إنتخابات تغلب فيها المال السياسي على إرادة الناخبين كما يحلو لك و لزعيمك القول اليوم و منها إنتخابات 2019 التي أتت بكم جميعا و لم تتكلم عندما كان العديدون يدينون ذلك.
و إني أستحي أن أصفك بالكذب... و لذلك سأكتفي بالإنتهازية فهي قيمة تكاد تصبح ثقافة في عهود الرداءة و الإنحطاط.
و مهما كنت و مهما كانت خلفياتك فأنت و مؤسستك لن تفهموا أن أغلبية الشعب لم ينخرطوا في عملية إغتصاب الإرادة الشعبية.
و هذا الدرس يكفي في الوقت الحاضر.
هو ليس من النوع الذي يراجع نفسه او حتى ينظر إلى نفسه في المرآة.
ماذا بقي من خطاب الآمانات يوم القسم امام مجلس نواب الشعب؟ ماذا بقي من النزاهة الفكرية بعد ثبوت الكذب في اكثر من مناسبة؟ و ماذا بقي من النزاهة بعد إستعمال وسائل الدولة لتحقيق مصالح شخصية و من أحل نزوات شخصية لا تنفع المجموعة الوطنية في شيء؟
و ماذا بقي من شرعية إستنفذت أغراضها و بقيت حنينا لدى جمهور الإنتهازيين و المتسلقين و كذلك لدى بعض الغافلين السذج و لدى من يحمل كرها و شماتة اكبر من كل افكار السياسة؟ و ماذا بقي من دولة لم تستطع يوما إكتساب حصانة ضد مغتصبيها و مُنكليها…
لم تبقى إلا منظومة الحكم نفسها.. لم تتغير و لم يستطع أحد تغييرها او حتى التفكير فيه... لديها صلابة المنظومات العريقة بقوتها الصلبة و قوتها اللينة و أموالها و مصالحها و زبائنها و قوانينها و مستعبديها و عبيدها.
منظومة الحكم إكتسبت خبرة لا يزاهيها شيئ على مرّ العقود، شكلها يتغير و أصلها لم تتغير و لكن غيرت كل مرة وجهها الذي يمثلها و يتكلم بإسمها و يرعى مصالحها و هي تطورت بشكل معقد و لافت في تطوير آلياتها و لإيجاد القبيلة التي تحميها و تحملها كل مرّة.
و ها هي اليوم تختار قيس سعيد كوجه جديد لها.. هو و قبيلته لا يختلفون عن سابقيهم في خطابهم - حتى و إن ترائى عكس ذلك- و لا يختلفون عنهم في موالاتهم و سندهم لمنظومة حكم أحكمت براثنها في البلاد... منذ عقود طويلة.