مسألة توجيه الدّعم لمستحقّيه عبر تحويلات ماليّة مباشرة للعائلات المستحقّة، هذا هو الحلَ الذّي تكلّم عليه الجميع منذ أكثر من عشر سنين. و لكن الإدارة التونسية العقيمة لم تستطع إلى اليوم جرد المستحقين في قاعدة بيانات مع كل ما يستلزمه الأمر من وسائل تعرّف و تدقيق.
و لم تكن السلطة السياسية عبر كل الحكومات المتعاقبة كذلك جاهزة لأخذ مسؤولياتها و أخذ القرارات، بل و لم تكن جاهزة حتى للحوار الإجتماعي حول الموضوع.
اما السؤال الذي لا بد أن نطرحه اليوم : هل يبقى هذا الحل (و بالرغم من عدم وضوح معالمه إلى اليوم) صالحا لرفع الدعم من غير تعريض الفئات الهشة إلى مزيد من الهشاشة؟
ما الذي تغير منذ عشر سنين؟
تغيرات كبرى على مستوى القدرة الشرائية و تركيبة الطبقة الوسطى و مستويات الهشاشة و الفقر. خسر التونسيون ما لا يقل عن 40٪ من قدرتهم الشرائية. نسبة التضخم السنوي تراوح معدلات عليا تفوق المعدلات الإقليمية. نسبة الفقر و الهشاشة تمس اكثر من مليون و مئتي ألف عائلة تونسية (أكثر من اربعة ملايين مواطن) و الطبقة الوسطى إهترأت من جرّاء نسب التضخم العالية مقارنة مع تجميد للأجور و الجرايات.
ما هو مستوى دخل الكرامة لعائلة تتكون من اربعة أفراد في بلدنا؟ مواقع دولية تُعنى بهذه المسالة المقارنة بين المدن و الدّول ضبطت ذلك في حدود 3500 دينار شهريا. و نحن ندرك بتجربتنا المعيشية اليوم ان هذا الرّقم غير مبالغ فيه و هذا يعني بطريقة مباشرة ان أكثر من 85 ٪ من المجتمع التونسي هو في حالة هشاشة إذا سلّمنا أن 15 بالمئة منه لها مدخول عائلي شهري يفوق دخل الكرامة.
هذا يعني كذلك ان مديرا بالإدارة التونسية بأقدمية 25 سنة هو في هشاشة و ان الأساتذة الجامعيين و اساتذة التعلية الثانوي و مدرسي الإبتدائي و كافة موظفي الإدارة العمومية هم في حالة هشاشة إجتماعية و هم يحتاجون فعلا إلى دعم في إطار سياسة رفع الدعم. و لا اتكلم على هشاشة مئات الوف المتقاعدين في القطاع الخاص.
ما هو الحلّ إذًا سلّمنا أنّ التّعويض المباشر لفئات محدودة العدد لم يعد هو الحلّ الأجدى في مسألة رفع الدّعم؟
1.لا مناص من تعميم الدعم لكل من يطلبه (على غرار عديد التجارب - إيران مثلا-)
2. وضع آلية مستقلة و شفافة لمراجعة القيمة السنوية للدعم.
3. هذا موضوع يحتاج نقاشا عميقا مع الأطراف الإجتماعية و كل المتداخلين لإيجاد حلول و تصورات مشتركة لأن آليات التنفيذ معقدة.
4. لا يمكن ان تكون النقاشات بين الحكومة (الإدارة التونسية) و خبراء صندوق النقد فقط هي المحدد لهذه السياسات. هذه احسن طريقة لفشلها.