الحكومة الحالية تقدم لنا برنامجها الإقتصادي و الإجتماعي و هو في غياب رؤيا سياسية مجددة لا يعدو ان يكون إلا "برنامج تقشف" و لا يمتلك مواصفات البرنامج الإقتصادي الخالق للثروة..
هو نفس برنامج حكومات النهضة و الحبيب الصيد و يوسف الشاهد و المشيشي...و آخرهم حكومة بودن او حكومة قيس سعيد : نفس التشخيص و نفس الحلول و نفس الحزب الذي وراءه : حزب الإدارة. نفس الإدارة التي حكمت تونس منذ الإستقلال و التي كانت في صلب منظومة الحكم و عيّنت الأغلبية الساحقة من الوزراء و المسؤولين السامين إلى حدود الثورة.
سياسة التقّشف لم تنجح يوما في أي مجتمع و أي ثقافة و هي نظرة لا تريد حلّ الإشكالات المعطلة لخلق الثروة و توزيعها في العمق. ما تقدمه لنا حكومة بودن هو في الواقع نظرة بيروقراطية للإقتصاد يعطي للإدارة البيروقراطية كل السلط و هو مع الحكم السلطاني القائم لن يكون إلا حلقة جديدة في مسلسل السياسات الإعتباطية السائدة و أداة في يد حكم فردي مستبد.
لا تستطيع حكومة بودن الإجابة على السؤال المُلِح و الرئيسي و هو : كيف سنخلق ثروة كافية و إدماجية و مستديمة : كيف و كم و متى؟ كل ما يُقدّم لنا اليوم هو ثقافة الفكر الغالب (mainstream) و الذي يتقاطع مع الفكر الغالب عند صندوق النقد الدولي و البنك العالمي.. فكر غالب لم يثبت نجاحه في اي موقع بل بالعكس.
هي ليست إملاءات و لكنها تقاطع عقول محدودة التفكير في تشخيص عقلاني و صحيح تاريخي و إجتماعي و إقتصادي و قصور معرفي في تحديد السبل الجديرة بتحرير طاقات هذا البلد بعيدا عن الأورتوديكسيات و المسلمات الإيديولوجية التي تشكل الفكر الغالب.
الأمثلة عديدة : تناول ملف التشغيل في الإدارة خاطئ تماما، ملف توحيه الدعم لمستحقيه نظرة ضيقة جدا، تنافسية الإقتصاد غير مفهومة ، مكان تونس في سلاسل القيمة العالمية غير مناقش، المنظومة المصرفية و الإقتصاد، هيكلة الإقتصاد الوطني، أسباب تضخم مهول مع نسبة بطالة عالية يتناقض مع النظريات الإقتصادية.. كل الأجوبة المقدمة من طرف الحكومة غير مقنعة و لا تقدم حلولا للوضع الصعب َ الكارثي الذي تعيشه البلاد و يعانيه المجتمع.
وقت الإستفاقة لا يزال بعيدا.