حزب الإدارة هو الحزب الحاكم في تونس. قيس سعيد يقول أن الإدارة هي إمتداد للسلطة السياسية و هذا القول يبين درجة جهل من نصب نفسه سلطانا للبلاد بأبجديات تنظيم الدولة في مرجعية ديمقراطية. من الغريب جدا أن يقول أستاذ قانون دستوري أمضى كل حياته المهنية في تدريس الدستور مثل هذا القول.
نجلاء بودن حكمت بحزب الإدارة إلا في ثلاث مواقع (الإقتصاد و الداخلية و الشؤون الإجتماعية) ، إثنان من فريق حملة قيس سعيد الإنتخابية. الكل يقر اليوم بالمردود الهزيل لهذه الحكومة و فشل منسقتها العامة التي لم تستطع الإرتقاء إلى منصب رئيسة حكومة مما أدى إلى إزاحتها بعد أقل من سنتين من توليها المنصب. و هذا كان منتظرا.
هل سينجح أحمد الحشاني ان يكون رئيس حكومة في منظومة قيس سعيد؟ الإمتحان الأول سيكون في تشكيلة حكومته : إذا تغلب منطق حزب الإدارة (و هو منطق قيس سعيد) و لم ينفتح على مكونات أطياف المجتمع التونسي بإطاراته و كفاءاته و خبراته فإنه سيسلب نفسه من مقومات النجاح لان نفس المنهجية تؤدي الى نفس النتائج.
لماذا أعبر عن رأي نقدي لحزب الإدارة؟
أولا : عندما أتكلم على الإدارة، فإني لا أتكلم عن الأشخاص بل عن العقل الإداري المتغلغل في أعماق الإدارة و عن عقيدتها التي حادت عن العقيدة التي كان من الواجب أن تكون و هي خدمة المواطنين و خدمة النسيج الإقتصادي الوطني. حادت عن ذلك منذ مدة و اصبحت عقيدتها خدمة السلطة الحاكمة و مراكز النفوذ المسيطرة و الموالية للسلطة.
ثانيا : إدارتنا أضاعت الكثير من كفاءاتها و خبراتها لأنها سُيست و أصبح الانتماء السياسي عنصرا هاما في التعيينات و التسميات و تراجعت قيمة الجدارة و الكفاءة. و ما لا يدركه الكثيرون أن إنعدام الكفاءة يخلق مناخا يزدهر فيه الفساد. قلة الجدارة و الكفاءة تجعل من الإداريين اليوم مجرد موظفين ليست لهم الجرأة الطبيعية على الإمضاء.
ثالثا: إنغلقت إدارتنا على نفسها منذ عقود بسياسات عدم الإنتداب الظالمة مما جعلها تتكلس و تفقد قدرتها على كل منهجية تقييمية لعملها و الأخطر في كل هذا هو عزلتها عما يجري في العالم من تغييرات في جميع الميادين.
و أكتفي بذكر السبب الرابع و الأخير و هو إعتقاد الإدارة اليوم أنها تحكم من غير اي وساطة سياسية يجعلها متغطرسة و ظالمة و مستبدة. و هذا الظلم أصبح اليوم الشغل الشاغل لكل المواطنين و المؤسسات التي يرتبط عملها بالإدارة و هي كثيرة جدا.
هذا الإصلاح الذي يأخذه قيس سعيد من زاوية محدودة جدا و هي الشهائد المزورة هو من أهم الإصلاحات التي يجب على تونس بلدا و شعبا و نخبا القيام بها. و لن يستطيع اي حاكم بمفرده ذلك فالمسألة عميقة و خطيرة و تهم العقد الإجتماعي و تهم خاصة تركيز أسس تغيير جدي و عقلاني في البلاد في كل المجالات.