من فساد الحوكمة، عندما تضع السلطة السياسية يدها على سلطة القرار عند البنوك العمومية و عندما تصبح القروض قروض ولاءات و قرابة سياسية أو قروض محاباة.
ما أعرفه شخصيا أن البنوك العمومية عانت و تعاني من تدخل كل السلط السياسية المتعاقبة على البلاد. و لا ننسى أن تونس بلد صغير جدا و أن أخبار الناس عند الناس في كل الأزمنة.
ما استغربته شخصيا كثيرا في زيارة رئيس الدولة للبنك الوطني الفلاحي هو صمت المدير العام. لا اعتقد أنه لا يعرف الملفات المطروحة و الا فهو ليس مؤهلا للمنصب. لماذا لم يتكلم لبيان صحة ما يقول الرئيس أو عدم صحته. كانت له فرصة للدفاع عن نفسه و عن مؤسسته و لكن صمته أكد فساد مؤسسته و عدم كفاءته لتسييرها.
أما المديرة العامة المساعدة و التي لم تجد خيرا من المرسوم 54 و خيرا من تمويل الشركات الأهلية لنيل بعض التعاطف فإنها اضاعت فرصة ثمينة للصمت.. هل تستطيع السيدة إجابتنا على نوعية الضمانات التي سيقبلها البنك من الشركات الاهلية للحصول على قروض البنك الوطني الفلاحي مثلا؟
لماذا لا تتطور الفلاحة في بلادنا؟
أرجو ان يكون الإهتمام بصغار الفلاحين عبر ملف البنك الوطني الفلاحي فرصة لنقاش وضع القطاع الفلاحي في بلادنا و أن يكون هذا الإهتمام صادقا و بعيدا عن التوضيف السياسي.
لم تعتبر دولة الإستقلال إلى اليوم القطاع الفلاحي كقطاع إقتصادي، بل إعتبرته كل الحكومات منذ الإستقلال إلى اليوم كقطاع إجتماعي هدفه الرئيسي توفير المنتجات الفلاحية بأبخس الأثمان لسكان المدن خاصة. هي سياسة موجهة للمستهلك و لا للمنتج.
المنتج اي الفلاح مغيب لأنه لا يعتبر فاعلا إقتصاديا. إهتمامنا بالفلاح هو إهتمام إجتماعي و كلمة صغار الفلاحين توحي بإقتصاد فقر و ايس بإقتصاد إنتاج و إبتكار و قيمة مضافة.
الفلاح التونسي ليس له معرف و الإدارة التونسية لا تمتلك قاعدة بيانات للفلاحين و لزراعاتهم و منتوجاتهم.
و كما ان الفلاح ليس فاعلا إقتصاديا فالأرض الفلاحية ليست محمية كوسيلة إنتاج إقتصادية و قوانين الملكية للأراضي الفلاحية ليست متلائمة مع قوانين قطاع إقتصادي.
هذا السبب هو الرئيسي لغياب حوكمة للقطاع و غياب سياسات عمومية ناجعة و غياب رؤية و إستراتيجية لقطاع إقتصادي هام.
عندما نعتبر الفلاحة قطاعا إقتصاديا بمقوماته و فاعليه و مناخه القانوني و الإجرائي و مهنه المختلفة و علاقاته بالبحث العلمي و بالصناعة سيكون له دور فعال في خلق الثروة اولا ثم سيخرج من الإقتصاد الموازي المسجون فيه حاليا.