تقسيم الأقاليم فكرة وقع تداولها منذ 2011 و كتب فيها العديدون و تبنتها عديد البرامج و بحث فيها مركز الدراسات الإستراتيجية.
ليست الفكرة في حد ذاتها هي موضوع المؤاخذة و إنما غياب أي تصور أو رؤيا إستراتيجية للموضوع.. بل و غياب أهداف هذا التقسيم. الأمر الرئاسي فقير فقر من لا يمتلك محتوى للعناوين و القانون الإنتخابي لقيس سعيد لم يجعل من الأقاليم إلا مطية لتكوين مجلس للجهات و الأقاليم و لذلك فهي بهذه الرؤية لن تغير شيئا في الواقع.
ذهبت جهود الداعين الجديين و الدارسين لهذا التقسيم في جلها إلى جعل التنمية الإقتصادية هدفا رئيسيا و هذا ضروري و يمكن ان يكون رافدا لإصلاح أكثر من ضروري لتنظيم الدولة و ذلك بمجموعة من الإصلاحات :
- لم تنجح الجهات في خلق الثروة و لم تستطع المجالس الجهوية لعب أي دور جدي في ذلك بالرغم من الصلاحيات المسندة و لذلك فإن مراجعة دور الجهات بصفة عميقة مرتبط بنجاح الاقاليم.
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة في المسألة العقارية بتركيز محكمة عقارية في كل إقليم بإمكانيات بشرية و مادية محترمة بعد وضع نصوص جديدة للإصلاح العقاري و تبسيط النفاذ للملكية و إتمام عمل رقمنة المسح العقاري و التصرف في الأراضي الإشتراكية و إسنادها لمن يستثمر فيها و يحييها.
- تمكين الاقاليم من صلاحيات واسعة في موضوع التهيأة الترابية للإقليم و التهيأة العمرانية لكل مناطق الإقليم، و تهيأة المناطق اللوجيستية و الصناعية و السياحية و الترفيهية و المحميات و غيرها.
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة في الإستثمار و تعويض المجالس التنموية الجهوية بمجلس إقليمي له صلاحيات فعلية و كفاءات متعددة الإختصاصات و تعطى له مهمة التخطيط لبرامج التنمية مع ميزانياتها المصاحبة
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة في ميدان الإعتناء بالمرافق التربوية و جعل ميزانيتها تحت تصرف الإقليم بل و نستطيع الذهاب إلى جعل الزمن المدرسي قرارا إقليميا.
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة في ميدان التكوين المهني بجعل وكالة في كل إقليم مهمتها ربط التكوين المهني بالنسيج الإقتصادي للإقليم (بقطاعيه العمومي و الخاص)
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة للإعتناء بالمرفق الصحي و إلغاء الإدارات الجهوية لصالح إدارة إقليمية تسهر و تسير المستويات الثلاث للمؤسسات الصحية بكل الإمكانيات و الميزانية التي تصبح تحت تصرفها.
- تمكين الأقاليم من صلاحيات و إمكانيات واسعة للإعتناء بأسواق الجملة فيها و تنشيطها و تسهيل النفاذ للأسواق لصغار الفلاحين بعد إعداد نصوص وطنية لإعادة تنظيمها ضمن مؤسسات إقتصاد إجتماعي و تضامني يضمن لها الديمومة الإجرائية و المالية.
- تمكين الأقاليم من صلاحيات واسعة للبرامج الإجتماعية و تحويل الإعتمادات المركزية لها في كل البرامج المتعلقة بالقضاء على الفقر، و الفئات الهشة و أصحاب الإحتياجات الخصوصية و الإشراف على برامج كبار السن.
يقتضي هذا التصور إعادة تصور اللامركزية و اللا محورية و التقليص من صلاحيات المركز و الجهات لصالح الأقاليم و إعادة النظر في التنظيم المحلي و إلغاء خطط العمد و المعتمدين لعدم فاعليتها مع خطة وطنية للإدماج الرقمي لكل المواطنين في كل ربوع الوطن هدفها التقليص من البيروقراطية العقيمة.
لماذا اعتقد ان كل هذا لن يتم؟ لسبب بسيط و هو ان هذا التنظيم يسلب السلطة المركزية جزءا من سلطتها و منظومة قيس سعيد السياسية و الأمنية الإدارية غير مستعدة لذلك اليوم.
سياتي يوم يقتنع فيه الجميع أن تونس لا تحتاج أربعة مستويات لتنظيم الدولة (المركز، البلديات، الجهات و الاقاليم) خاصة مع منظومة حكم مبالغة في مركزيتها المطلقة حول شخص واحد إختزل جميع السلط لديه. هذا التناقض الجوهري سيظهر للعيان شيئا فشيئا مع الفشل المصاحب له و لن تكون العشريات السابقة شماعة لهذا الفشل المعلن.