حمس تغلق قوس "النقد" و"المعارضة"

حمس اختارت أن ترشح رئيسها للانتخابات الرئاسية، هم في العادة يتكلمون، مثل إخوانهم في حركة البناء عن مؤسسات الحركة التي تتخذ القرار، لكن هناك مقدمات جعلت هذا الترشيح أمرا واقعا منذ وقت غير قصير.

عبد العالي حساني شخص لا يكاد يعرفه أحد، وهو من النوع الذي يتكلم دون أن يقول شيئا، وهو بذلك الشخص المناسب لإغلاق قوس "النقد" و"المعارضة" الذي فتحه عبد الرزاق مقري لسنوات رغم تذبذب حدة اللهجة بحسب التطورات التي فرضها امتحان السلمية من بدايتها إلى غاية تثبيت تبون في منصب الرئيس.

ترشيح حساني هو إعلان صريح بأن حمس ستساعد في تمرير الثانية من خارج دائرة التزكية، وهذه مساهمة تحتاجها السلطة لإعطاء بعض المصداقية للعملية الانتخابية، لكن الأهم من ذلك أنه سيضمن حملة انتخابية هادئة كما وعد بن ڤرينة قبل أشهر، فترشح مقري الذي تحدث وكتب عن الفشل وانتقد ممارسات العهد الحالي كان سيزعج سلطة هشة لم تعد تتحمل حتى تداول الأخبار التي تخرج عن إطار التهليل والتطبيل، وسبق لها أن عاقبت وسائل الإعلام الموالية لها بسبب ذلك.

قبل أشهر كان مقري قد منع من مغادرة التراب الوطني، واضطر للإعلان عن ذلك بعد فشل محاولات سرية لرفع المنع دون إثارة الضجيج، وعندما كان مقري يواجه تلك العقوبة غير القانونية كان حساني يحظى بلقاءات متكررة مع تبون، تماما مثلما كان مقري قد حظي باستقبال تبون عشية انعقاد المؤتمر الذي أتى بحساني إلى رئاسة الحركة، مؤتمر قال المنافسون على منصب الرئيس إن مقري رتبه ليفرض خليفته واغلق الباب بإحكام في وجه اي منافسة حقيقية.

كان المنع من السفر تحذيرا شديدا لمقري ورسالة واضحة للحركة بأن المرحلة لا تحتمل أي تشويش على خطة السلطة ولو بالكلام ورفع الشعارات، وقد فهم الجميع الرسالة وأولهم مقري الذي كان قد أجاب على سؤال الترشح قبل فترة بالقول إن الأمر عائد إلى مؤسسات الحركة.

في وضع طبيعي كان أي متابع للشأن السياسي سيطرح السؤال المنطقي: كيف لرئيس حمس السابق، وهو الأكثر تأثيرا وشعبية، أن يصبح بلا نفوذ على توجهات الحركة وخياراتها السياسية وهو الذي اختار رئيسها قبل أشهر وفرضه رغما عن المعارضين والمنافسين؟ هذا السؤال في الحالة الجزائرية يتم تعويمه في تصريحات عامة وفارغة من المعنى تركز على سيادة مؤسسات الحركة والانضباط الحزبي الذي يميز المنتسبين إليها، لكن المنطق وتسلسل الأحداث يفرض إجابة أخرى.

إن مقري الذي يعرف خليفته أكثر من غيره وفعل كل شيء من أجل تثبيته ساهم بطريقة مباشرة وواعية في توجيه حمس نحو الطريق الذي تفرضه المرحلة بشروط السلطة، وهذه هي الأدوار التي يتم تقاسمها بين قادة الحركة في كل مرة والتي يضبطها المبدأ الذي قامت عليه أول مرة: لا مواجهة مع السلطة مهما كانت الظروف، مبدأ تذكرته وأنا أصادف بوڤرة سلطاني صباح أمس في قصر المعارض.

دور حمس في هذه الانتخابات يؤكد طبيعة هذه الأحزاب ومهمتها في النظام السياسي القائم، وهو أيضا مؤشر على هشاشة هذا النظام وعدم قدرته على مواجهة أي معارضة أو نقد حتى ولو كان ضمن دور متفق عليه مسبقا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات