رسم المقال الرئيس في العدد الأخير من مجلة نيوزويك الأمريكية صورة مفصلة للهزيمة التاريخية التي ألحقتها المقاومة الفلسطينية بإسرائيل وآثار عملية طوفان الأقصى على أمن الولايات المتحدة وخياراتها العسكرية في مواجهة أعدائها.
المقال الذي كتبه ديفيد فريدمان جاء تحت عنوان "كارثة على الحدود" وخلاصته أن الفشل الذريع لإسرائيل في صد الغزو على طول الحدود مع قطاع غزة له تداعيات خطيرة على الأمن العسكري للولايات المتحدة، وقد استجوب كاتب المقال مختصين أمريكيين وإسرائيليين من ضمنهم ضباط في الجيش والاستخبارات أجمعوا على أن ما جرى كشف عيوبا قاتلة في خطط الدفاع، وأظهر حدود التكنولوجيا في ضمان الأمن.
لم تظهر إلى حد الآن تفاصيل العملية، ولم تكتمل صورة الفشل الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي، ومع ذلك فإن استخلاص الدروس بدأ مباشرة في الساعات الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن الفشل الإسرائيلي هو هزيمة لتكنولوجيا عسكرية فائقة تعتمد عليها الولايات المتحدة أيضا في حماية أمنها، وقد تحول الجدار الذي بنته إسرائيل حول غزة والذي كلفها مليار دولار، وهو ثمرة تعاون وثيق مع الولايات المتحدة، إلى نموذج في حماية الحدود اعتمده ترامب في بناء الجدار على حدود المكسيك.
إن التشابك بين أمريكا وإسرائيل في ميدان التكنولوجيا العسكرية واعتماد الطرفين على نفس التقنيات وتبادلهما لما يطوره كل طرف جعل الأمريكيين يشعرون بأن هزيمة السابع أكتوبر طالتهم بشكل مباشر، وهو ما عجل بطرح الأسئلة حول جدوى التكنولوجيا الفائقة وكفاءة أنظمة الاستشعار وبرامج الذكاء الاصطناعي والأسلحة التي تعمل بشكل آلي ويجري التحكم فيها عن بعد وكذا الطائرات المسيرة وأنظمة اعتراض الصواريخ وتقنيات رصد الاتصالات والتنصت على المكالمات، فكل هذه المجالات يشملها التعاون العسكري الأمريكي الإسرائيلي حيث لا يكاد يخلو سلاح يستعمله أحد الطرفين من تقنية طورها الطرف الآخر واختبرها.
يطرح كاتب المقال على ألسنة الخبراء الذين استجوبهم سؤالا مركزيا هو: إذا كان تنظيم مثل حماس استطاع أن يعطل كل تلك التكنولوجيا وينجح في تنفيذ هذه العملية فكيف سيكون الأمر عندما يكون العدو هو روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية؟ وقد يكون هذا السؤال كافيا لإدراك ما تعنيه عملية طوفان الأقصى التي حيدت الفوارق الاقتصادية في المعركة ( كلفة صاروخ تطلقه القبة الحديدية هو خمسون ألف دولار وهو ما يمثل مائة ضعف كلفة صاروخ تطلقه المقاومة، والاجهزة التي استعملتها المقاومة لتعطيل أنظمة الرقابة الإلكترونية والتشويش على اتصالات العدو والطائرات المسيرة التي استعملت لاستهداف أبراج المراقبة ودبابات ميركافا لا يتجاوز ثمنها بضعة مئات من الدولارات أخرجت من الخدمة تجهيزات وآليات تكلف الملايين)، وإذا أضيفت إلى الصورة استنتاجات الشرطة الإسرائيلية التي تؤكد تعرض الإسرائيليين للقصف من قبل طائرة إسرائيلية فإن صورة الفشل تزداد قتامة.
خلاصة ما جاء في نيوزويك تثبت أن ما قاله الناطق باسم كتائب القسام عن المعركة التي يسجلها التاريخ لم يكن فيه شيء من المبالغة، فإسرائيل وجيشها تعرضت إلى نكسة تاريخية سيتطلب النهوض منها مراجعة عميقة لكل شيء تقريبا مع ما يتطلبه ذلك من حشد لموارد هائلة ووقتا طويلا وتماسكا سياسيا قد يكون من الصعب توفيره خلال وقت قصير، وحتى أمريكا باتت معنية بإعادة النظر في كثير من خياراتها وخططها.
كل هذا يجعلنا نفهم أكثر سر هذا الجنون الصهيوني والانقياد الأعمى لإدارة بايدن خلفه.
لقد بينت المقاومة بالدليل أن إرادة التحرير لا يمكن أن تعجزها الإمكانات الهائلة للمحتل ولا القوى التي تسنده، وكل حجج المتخاذلين سحقت تحت أقدام المقاتلين الذي حطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر إلى الأبد.