هل ما يزال التعليق بجدية على وضع البلاد وما يجري فيها ممكنا؟ السؤال له ما يبرره، ومنشور وكالة الأنباء الجزائرية (هو أقرب إلى منشورات فيسبوك منه إلى برقية وكالة أنباء) يكفي لتثبيط عزيمة كل من يحاول تناول قضايا الشأن العام بما يليق بها من جدية.
قبل أيام تم اصطناع جدل من العدم حول فرضية تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها قبل نهاية السنة الجارية، وكان مصدر هذا الجدل تصريح لرئيس حركة البناء عبد القادر بن ڤرينة الذي قال في خطاب له إن الانتخابات التي ستجري نهاية السنة إلا إذا حدث شيء ليس في الحسبان يحول دون إجرائها في موعدها، ومن شاهد خطاب بن ڤرينة يكون قد فهم بأن هذا الاستطراد لم يكن يحمل اي دلالة سياسية وانه لا يعدو عن كونه حشوا تعود عليه خطباء السياسة في بلد لم يبق فيه من السياسة إلا لغة الخشب والكلام الفارغ.
لقد اختار كثير من الناس الوقوف عند استطراد بن ڤرينة وتجاهلوا ما قاله عن الانتخابات التي قال إنها لن تشهد استقطابا، وقوله إن نهاية العهدة القادمة ستشهد تسليم المشعل لجيل جديد، وهذا الكلام يعني بكل بساطة أن أمر العهدة الثانية قد حسم وأن الانتخابات ستكون مغلقة بشكل غير مسبوق، وهو أمر يؤكده غياب أي نقاش سياسي قبل أشهر قليلة من الموعد المفترض للاقتراع.
التذكير بأصل هذا الجدل المصطنع مهم من حيث معرفة من يغذي النقاش الهامشي، وفي هذه الحالة فإن بن ڤرينة هو مصدر فرضية التأجيل المزعوم، وقد كان تناول إذاعة فرنسا الدولية للموضوع سببا في غضب كاتب منشور الوكالة أو من أوحى له بالكتابة.
السؤال الآخر الذي نهمله: لماذا يصبح كلام بن ڤرينة مهما وهو لا يشغل أي منصب رسمي؟ لأن هذا الشخص يتحدث باسم الدولة ومؤسساتها دون أن يكذبه أحد، ويقول أمام الملأ إن حكومات قوى كبرى تتصل به لتقدم عروضا للدولة دون أن يسأله أحد عن صفته وماذا يمثل حقا، ومع مرور الوقت تحول هذا الشخص إلى ناطق باسم الدولة أو السلطة (وهما في ذهنه سيان)، وعندما يكتسب الشخص هذه الصفة يؤخذ كلامه على محمل الجد ويخضع للتفسير والتأويل.
الآن يمكن أن نعود إلى مصدر الصداع الذي تشعر به السلطة من هذا الجدل، وهو السلطة نفسها، فالذين جعلتهم متحدثين غير رسميين باسمها هم من يقدمون المادة لسكان اليوتيوب من محترفي اللايف، وضمن هؤلاء من اعتمدتهم السلطة منذ وقت غير قصير بديلا عن الإعلام الحقيقي، وفي النهاية يبدو الجميع كممثلين في مسرحية أفلتت تفاصيلها من مخرجها.
كل محاولة لإنهاء الجدل تغذي مزيدا من الجدل الهامشي، ورغم أن الثمن الذي ندفعه من هيبة الدولة ومصداقية مؤسساتها باهظ فإن من يمسكون بالسلطة يبدون في غاية السعادة لأن الاسئلة الحقيقية لا تطرح ومن ضمنها : أين الجزائريون اصلا من قصة الانتخابات هذه؟ وهل في الباخرة ربان حقا، وإلى اين يأخذنا؟