بكامل العجز والشعور بالمهانة نقف منكسرين نتفرج على الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في آخر معقل لمقاومة الجريمة الصهيونية، لم نعد قادرين على التفرج لأن الجريمة الآن صارت بدون صور أو شهادات بعد أن عزل الضحايا عن العالم وتركوا لمصيرهم في مواجهة آلة القتل الأمريكية حاملة راية الصهيونية.
في كل مرة ينتقل العدو المجرم إلى مستوى آخر من همجيته ويطبق حصاره على الشعب الفلسطيني تقفز إلى ذهني صور الناشطة والإعلامية المصرية رحمة زين وهي توبخ مراسلة قناة سي أن أن الأمريكية التي ذهبت إلى الجهة المصرية من معبر رفح لتغطية محاولات نقل المساعدات إلى قطع غزة، وصفت رحمة مراسلة سي أن أن بالدمية وانتقدت موقف حكومة بلادها المنحاز للكيان الصهيوني، وطلبت منها نقل الحقيقة ومنح الصوت الآخر فرصة ليسمعه الجمهور في أمريكا والغرب، وللحظة شعرت المراسلة أنها في مواجهة غضب جارف وأن ما يجري سيتحول إلى حجة على سي أن أن فقالت لمحدثتها المصرية الغاضبة هل تريدين الإدلاء بتصريح؟ بدت رحمة مندهشة فردت "وهل ستبثونه؟" أجل ردت المراسلة، ونشر تصريح رحمة وتحول عند المتابعين المصريين والعرب إلى "حدث" تناولته وسائل الإعلام وقيل إنه تحول إلى "ترند" وسجل عددا قياسيا من المشاهدات.
بعدها اتصل الإعلامي البريطاني بيرس مورغان برحمة وأتاح لها فرصة الحديث في برنامجه ذائع الصيت، والآن يتم تداول هذه المداخلة مترجمة إلى العربية على نطاق واسع.
هذه الحادثة فرضت علي سؤالين؛ هل غيرت مداخلة رحمة في سي أن أن وفي برنامج بيرس مورغان وقبلها مداخلة باسم يوسف ومحمد حجاب، شيئا في ميزان القوى الإعلامي؟
هذا سؤال ثانوي وجوابه لا، ودون تقليل من شأن تأثير مثل هذه المداخلات في وسائل الإعلام ذات الانتشار الواسع، فإن حضور الرأي الآخر بجرعات لا تؤثر في الانحياز الكامل لوسائل الإعلام هذه للكيان الصهيوني يمثل مكسبا لهذا الإعلام الغربي الذي يستدرك انحيازه في نقل المعلومات بنوافذ تفتح من حين لآخر في ميدان الرأي، فالرواية الأكثر قبولا هي التي تتأسس على المعلومات والوقائع بصرف النظر عن مصداقية تلك المعلومات، أما الرأي فيبقى تعبيرا عن ذاتية قائله في لحظات حرجة مثل لحظة الحرب.
الآن يطرح السؤال الأهم: عندما كانت تصرخ رحمة في وجه المراسلة الأمريكية كانت تقف على الجانب المصري من معبر رفح فهل تبادر إلى ذهنها أن توجه سؤالا غاضبا إلى سلطات بلدها وهي التي تمثل سيادة مصر على تلك الأرض، سيادة يفترض أنها تمنحها كامل الحق في فتح المعبر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية؟ هل تساءلت رحمة كيف لأكثر من مائة مليون مصري أن يسمحوا بأن تتحول بلادهم إلى جدار يحكم الحصار على 2.3 مليون فلسطيني في غزة منذ 17 سنة؟ وكيف نسوا دماء شهدائهم في حروب 48 و 56 و67 وسنوات الاستنزاف و73 حتى تحولت حكومتهم إلى طرف أساسي في تدمير مقاومة الشعب الفلسطيني؟ وهل سمعت رحمة عن الصورة التي باتت تقدم بها مصر من قبل المسؤولين والخبراء في الغرب بأنها مستعدة لقبول تهجير الفلسطينيين إذا تلقت الثمن المناسب؟
لو كان معبر رفح مفتوحا لما ذهبت رحمة للمطالبة بإدخال المساعدات، ولأنه كان مغلقا فكان الأولى السعي إلى فتحه من القاهرة حيث يصنع القرار الذي يحكم أكثر من مائة مليون.
ما يقال على مصر ينسحب على الأردن التي لم ينل أهل غزة منها إلا الشعارات التي تردد في مظاهرات هي خلاصة العجز وبعض تصريحات جوفاء للملك عن خطورة نتائج ما يجري في غزة.
لا يختلف الأمر بالنسبة لبقية أنظمة الحكم في المنطقة من المغرب حيث تتظاهر الحشود دون أن تقدر على الإطاحة بالتطبيع الذي هو أكبر دعم للكيان المجرم، إلى الجزائر حيث ظهر أن منع التظاهر أهم من قضية فلسطين لأن البقاء في السلطة ضد إرادة الشعب فوق كل اعتبار، أما الخليج فقد اختارت شعوبه أن تترك الأمر كله للحاكم إن شاء طبع وإن شاء وقف إلى جانب العدو دعما بالسياسة والمال وإن شاء سكت.
نشعر الآن بالقهر والهوان لأن لا وزن لنا في أوطاننا، ولأننا رضينا بالعيش تحت حكم أنظمة رهنت حظوظ بقائها لهؤلاء الذين يحشدون الدعم للكيان العنصري. نحن لا نستطيع فعل شيء للشعب الفلسطيني لأننا لم نبن الدولة التي تستطيع فعل أي شيء، وإذا كانت الجغرافيا قد أعفت بعض الكيانات من الامتحان إلى حين فإن الطريق الذي يسير عليه هذا العالم سيكشف لنا في المستقبل أننا جميعا في الهوان سواء.