هناك من يطالب باتخاذ موقف أو تقديم رأي حول ما يجري في فرنسا. السبب هو أن عددا غير قليل من الجزائريين يعتقد أن ما يجري هناك قضية جزائرية وهذا غير دقيق رغم هذا التشابك الإنساني الذي له أسبابه التاريخية التي يعرفها الجميع.
قد تكون القضية الأكثر أهمية بالنسبة لنا كجزائريين هو هذا الموقف الرسمي الذي عبر عنه بيان وزارة الخارجية، والذي يحتم علينا طرح أسئلة جدية حول الطريقة التي تسير بها قضايا السياسة الخارجية ومن ضمنها العلاقة مع الجزائريين المقيمين في الخارج، وهنا يجب أن نفرق بين جزائريين مقيمين بالخارج ومواطنين يحملون جنسية دولة أخرى وقد حدث ذلك بالوراثة أو بالسعي الحثيث ضمن ما يسمى "ضمان المستقبل".
الحديث عن ثقافة مجتمعات لم نعايشها والحكم عليها ينطوي على مجازفة كبيرة، لكن بوسعنا أن نتساءل عما تفعله السلطات الجزائرية منذ الاستقلال لإبقاء الجزائريين مرتبطين بوطنهم الأم، وما الذي أنجز على هذا المستوى؟ وأي آليات تم وضعها لجعل هذا الارتباط قويا ويرتكز على أساس متين من المصلحة؟ كثيرة هي القصص والشهادات التي تؤكد أن ما تم إنجازه على هذا الصعيد متواضع جدا ولا يكاد يذكر.
من هنا يمكن أن نقرأ بيان وزارة الخارجية بخصوص قضية قتل الشاب نائل على أنه جزء من التوظيف السياسي للقضية لأغراض الدعاية السلطوية، وهو أمر أصبح شائعا خلال السنوات الأخيرة ويلحق ضررا بليغا بصورة الجزائر وبسمعة دبلوماسيتها.
ما الذي يمكن أن تفعله الجزائر للرد على تجاوزات الشرطة الفرنسية في حق أي مواطن فرنسي منحدر من أصول جزائرية؟ وتحت أي غطاء قانوني سيكون هذا الرد؟ لا أحد من المتحمسين الذين يملؤون منصات التواصل الاجتماعي يملك إجابة على هذه الأسئلة.
هناك دول استطاعت أن تحول ارتباط جاليتها المقيمة في الخارج بها إلى مكسب سياسي واقتصادي مهم والجزائر ليست ضمن هذه الدول بل إنها لا تفعل شيئا من أجل ذلك، ويشهد كثير من الجزائريين المقيمين في الخارج بأن جاليتنا هي الأقل تنظيما وتأثيرا وأنها خسرت كثيرا من مواقعها في السنوات الأخيرة بسبب غياب رؤية لدى السلطات الجزائرية لتسيير هذا الوضع.
هذه القضايا هي الأهم لنا إذا كنا نؤمن حقا بأهمية مد الجسور مع الجزائريين المقيمين في الخارج، أما الحديث عن عنصرية فرنسا وصناعة الكراهية فيها فموضوع يخوض فيه الجميع دون إلمام بواقع الحال.
نعم في فرنسا هناك مارين لوبان وإيريك زمور لكن فيها أيضا نقابة القضاة التي قالت "إخماد الاحتجاجات ليست مهمة القضاء" وتحدثت بصراحة عن العنصرية والتمييز.
فرنسا مريضة كما يقول ساستها ومفكروها وعليها وحدها تقع مسؤولية العلاج، أما أبناؤنا وإخواننا هناك فهم بحاجة إلى ما هو أنفع من بيان يحولهم إلى وقود لدعاية تضرب خبط عشواء.