قرأت لعشرات المصريين يبررون للنظام المصري تواطؤه ضد المقاومة ومشاركته المباشرة في حرب الإبادة المعلنة على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستين يوما.
يحيلنا هؤلاء على اتفاقية تسيير المعابر، وكيف تلزم تلك الاتفاقية السلطات المصرية بطلب الإذن من الصهاينة قبل السماح بدخول اي شخص إلى غزة أو الخروج منها، وعادة ما ينطوي تبرير هؤلاء على تلميح إلى خطورة خرق الاتفاقيات الملزمة، ثم إن الإشارة تكون أن المسألة تتعلق باستقرار مصر ومصالحها العليا التي لا يجوز رهنها في لحظة انفعال ستنتهي مع الإعلان عن وقف إطلاق النار بصرف النظر عن النتائج.
ما يقوله أبواق النظام المصري لا يختلف في جوهره عما تردده الأبواق في هذه الرقعة الجغرافية الممتدة بين المحيط والخليج، والتي تحكمها أنظمة شبيهة بالنظام المصري إلى حد الاستنساخ، مع مراعاة الموقع الجغرافي الذي يجعل البعض أقل عرضة للاتهام المباشر بالتواطؤ.
خلال السنوات الأخيرة شهدت المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا سلسلة انقلابات جمعت بينها الدعوة إلى إنهاء النفوذ الفرنسي، كان آخر تلك الانقلابات في النيجر، وقد تابع العالم بأسره الانقلابيين وهم يمزقون الاتفاقيات التي جعلت لتقييد تلك الدول الفقيرة إلى الأبد، وقد تحدى الحكام الجدد في تلك البلدان فرنسا وطردوا جنودها وأرغموها على تفكيك قواعدها العسكرية هناك.
لعب انقلابيو إفريقيا على التحالفات الممكنة واختاروا لأنفسهم طريقا غير الذي أرادته لهم فرنسا، ومهما يكن الموقف مما حدث ومآلاته فإنه يقدم درسا بليغا عن الفارق الذي تصنعه الإرادة في تحديد مصائر الأمم، تماما كما صنعت إرادة المقاومة الفلسطينية الفارق في غزة وقدمت الكيان بصورته الحقيقية التي لم يشاهدها العالم منذ 75 سنة.
لا أعرف أي مصلحة جلبها التطبيع للشعوب في مصر والأردن والمغرب حيث ينتشر البؤس بكل أشكاله، وحيث يعيش الملايين حالة من الهوان الذي تجلى بكل بشاعته أثناء هذه المحنة التي تجتازها فلسطين، وليس بوسع أي مبرر في هذه البلدان أن يقنع جائعا مهانا بأن خضوعه لأنظمة حكم بهذا الفساد والعجز يمكن أن يجلب له أي مصلحة.
ليست شعوب دول التطبيع وحدها المعنية بهذا التشخيص المخيف، في بلداننا أيضا جرى التمويه على العجز برفع الشعارات حتى جاء الطوفان وجعل رفع الشعارات مخاطرة كبيرة، وهنا أيضا نجد من يحذر من المغامرات ويلمح إلى أن المصلحة العليا للوطن فوق كل فورة عاطفية، وكل هذا للتغطية على العجز الذي حل محل الخطابات الجوفاء.
لم ينفع العرب غزة لأنهم بلا إرادة، ولن تنفع الشعوب فلسطين لأنها اختارت أن تعيش تحت حكم أنظمة تعرف فسادها وعجزها وتلك أبشع صور الإرادة المسلوبة.
بجوار غزة يعيش أكثر من مائة مليون مصري يفاخرون بجيشهم الذي يصنف الأقوى عربيا وإفريقيا، ومع ذلك فقد اختار السيسي يوما أن يطلب تدخل الطيران الحربي الصهيوني لقصف الجماعات المسلحة في سيناء. التذكير لا يخص المصريين وحدهم لكنه يعني الجميع، لأن ما يجري في فلسطين يجعلنا كأفراد مرشحين للبحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة عندما نجد أنفسنا عراة بلا سند.