الظاهر أن فئة كبيرة من الجزائريين لن تضحي هذه السنة بسبب الغلاء، هناك قراءات مختلفة تحاول أن تشرح الأسباب لكن ما لا يحتاج إلى تحليل أو دليل هو الفقر والبؤس الزاحف على الأغلبية.
يعود الحديث عن الغلاء في رمضان والأعياد وعطلة الصيف والدخول المدرسي، لكن الحقيقة أن الغلاء مقيم والفارق في المناسبات هو اضطرار الناس إلى ترك عاداتهم العزيزة على قلوبهم وهم الآن يعطلون شعائر كافحوا من أجل أدائها وهذا يشيع حالة من الحزن لأنه يكشف الفشل في التعايش مع الفقر.
يوميا يعدل الناس سلوكهم الاستهلاكي بحثا عن نقطة التوازن بين الأعباء والمداخيل، لكن هذه المواجهة غير المتكافئة تنتهي بانزلاق المزيد منهم نحو هوة الفقر السحيقة التي ستبتلعهم وربما تلحق بهم أجيالا من أبنائهم.
كل ما يمكن تقديمه للفقراء الجدد والقدامى هو فتاوى تسقط عنهم أداء الشعيرة، مع تذكير خبيث بما يستفيدون منه من مواد استهلاكية بأسعار مدعمة وتعليم وعلاج مجانيين، مع إشادة بولي الأمر الذي يحرص على" الطابع الاجتماعي للدولة" و "يحمل هم الطبقة المتوسطة" كما يقول أحد وزرائه.
يكافح التاجر لتجنب السقوط في هوة الفقر فيسعى إلى توسيع هوامش ربحه، ويتحول الموظف إلى تاجر عند الضرورة أو إلى مرتش، وكل من يملك هامشا لتعويض خسارته يسعى إلى استغلاله، وفي النهاية يخسر الجميع أنفسهم ويسقط المجتمع في امتحان الأخلاق ويظهر في صورة بشعة حيث الجميع يسب الجميع.
يظن الناس أنهم فقراء في بلد غني فيتملكهم الغضب واليأس، والحقيقة أنهم يغضبون عندما يفشلون في التعايش مع الفقر وفوق ذلك يخسرون أنفسهم، وهذا الفقر ليس قدرا بل هو ثمرة خيارات خاطئة ولن يعالج إلا بالسير على طريق مختلف.
لا مفر من بناء اقتصاد حقيقي، ولا بد لذلك من ثمن، أما تأجيل البناء والإصلاح فلن يخدم إلا من يجعلون السلطة والسياسة مدخلا إلى العيش الرغيد دون بذل أدنى جهد.