قصة إيمان

لم أتابع من الأولمبياد إلا الدقائق التي استغرقتها منازلة نهائي الملاكمة أقل من 66 كلغ سيدات، ويجب أن أشكر الصديق رؤوف حرز الله الذي اقترح أن نتابع مع الصديق كمال منصاري الحدث من القرية التي نشأت فيها البطلة إيمان خليف وهي قرية تبعد عن مدينة تيارت بنحو 16 كلم وفيها تختصر حالة ما سمي عندنا مناطق الظل.

ربما سيتعين على أولئك الذين شنوا حملتهم ضد إيمان أن يزوروا قريتها بيبان مصباح، فالنظر في عيون سكان القرية يحسم الجدل الذي أريد له أن يكون وقود حرب طاحنة بين دول وهيئات، بل وجعلها جزء من خطاب معركة انتخابات الرئاسة في القوة العظمى.

في ملعب صغير تم تجهيز منصة ونصبت شاشة كبيرة ليتابع من خلالها سكان القرية الذين حضروا إلى المكان المنازلة النهائية، تم تقديم الطعام للحاضرين في أجواء احتفالية، فالفقير هنا لا يمكن أن يفرط في كرمه الذي يعده من الشرف، وقد كان الشباب والأكبر سنا مبتهجين بخدمة من حضر مع احتفاء بمراسلي وسائل الإعلام المحلية و الأجنبية الذين جاؤوا لتغطية الحدث.

قبل بداية المنازلة كان هناك شعور بأن إيمان ستنتزع الميدالية الذهبية، لا شيء يوحي بأنهم تأثروا بما قال إيلون ماسك أو دونالد ترامب فهم يعرفون من تكون إيمان كيف نشأت، ثم إنهم لا يرون فائدة من البحث عن سبب هذه الحملة الرهيبة التي تعرضت لها هذه البطلة التي عاشت طفولة قاسية وتحولت إلى مثال في الكفاح من أجل النجاح.

في أحد مطاعم مدينة تيارت أخبرنا أحدهم عن حوار جرى في وقت سابق بين اثنين من سكان القرية إذ أعجب أحدهم بإصرار إيمان على تحدي الواقع والمثابرة على التدريبات، قال لصاحبه : "هذه الفتاة ستذهب بعيدا" فرد الآخر ساخرا : ستذهب بعيدا إلى الطرف الآخر من القرية، وعقب محدثنا: "صارت بطلة أولمبية".

اليوم إيمان تمثل قصة نجاح فريدة، وأكثر من ذلك هي مثال عن المرأة التي ترفض دور الضحية، لقد اختارت أن تركز على هدفها وأن تجعل من الحلبة ميدانا للرد لأن المسألة صارت متعلقة بالشرف.

كان الأطفال متدثرين بالعلم الوطني وبعضهم حمل علم فلسطين، صبية كانت تضع علم الجزائر اقتربت من مراسل اسوشيتد برس وقالت له أريد أن أتحدث عن إيمان، شغل الكاميرا وقدم لها الميكروفون؛ شكرت إيمان وتمنت لها التتويج وختمت بعبارة : "تحيا الجزائر تحيا الجزائر وتحيا فلسطين"، كانت الفرحة صادقة لا تكلف فيها.

شعرت أن بيبان مصباح كانت تسخر من ماسك وترامب والاتحاد العالمي للملاكمة الذي غرق في وحل السياسة، كانت الفرحة في عيون الأطفال والنساء والشباب والشيوخ نوعا من الامتنان لإيمان التي جعلت قريتهم الصغيرة على كل لسان.

لإيمان من اسمها نصيب؛ آمنت بموهبتها ونافست بنبل وشرف، وهزمت الكراهية والتوحش بروح رياضية قل نظيرها.

هنيئا للجزائر وهنيئا لبيبان مصباح التي آمنت بإيمان التي رسمت طريقا لمن آراد أن يغير واقعه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات