مجرم الحرب نتنياهو الذي يواجه احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في حقه، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حصل على فرصة مخاطبة الفرنسيين مباشرة عبر قناة فرنسية خاصة من الأكثر متابعة في البلاد، وقد تحدث إليهم مباشرة تماما كما يفعل ماكرون.
لم يجد القاتل افضل من التذكير بجريمة الجيش الفرنسي الذي قصف حفل زفاف في شمال مالي، وقتل اعداد كبير من المدنيين في الحرب العالمية الثانية لتبرير الإبادة التي ذكرها مدعي عام الجنائية الدولية ضمن التهم التي تستدعي إصدار مذكرة لاعتقال نتنياهو ووزير الحرب المجرم غالانت.
إنكار الجرائم لم يعد ممكنا، فالإبادة يجري نقلها على المباشر وصور القتلى من الاطفال والنساء والمدنيين تملأ وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وكل ما وثقه موظفو الأمم المتحدة وعمال الإغاثة والأطباء الذين عادوا من غزة يؤكد أن ما يجري هناك إبادة جماعية، وفوق كل هذه تنظر محكمة العدل الدولية في هذه التهمة وتقول إن الادلة المتوفرة تجعلها تقبل دعوى جنوب إفريقيا ضد الكيان بهذا الخصوص.
كل هذا جعل الدعاية الصهيونية كلها تدور حول فكرة ان حسم الحرب غير ممكن دون ارتكاب جرائم ودون قتل المدنيين، وقد جادل بهذه الحجة في الأسابيع الأولى من الحرب المفكر الفرنسي الصهيوني جاك أتالي عندما كتب تغريدة على منصة إكس يرد من خلالها على من ينددون بقتل إسرائيل للمدنيين قائلا بأنه لو رفض الأوروبيون سقوط المدنيين في قصف المدن الألمانية لما هزمت النازية، وقد عاد أتالي ليطرح نفس الحجة بعد محرقة رفح باتهام مقاتلي حماس بالاختباء وسط المدنيين الذين ترفض منحهم أنفاقها لحمايتهم! ولا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ في الصحف الأمريكية والغربية الموالية لإسرائيل مقالا مبنيا على هذا المنطق.
لقد نقلت هذه الحرب الإجرامية الدعاية الصهيونية من مرحلة التسويق لمزاعم التماثل بين الكيان والغرب في القيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان إلى التركيز على تشابه السجل الإجرامي للولايات المتحدة والدول الغربية مع ما يفعله الكيان وجيشه قاتل الأطفال، فالإبادة في النهاية محمودة إذا كانت تستهدف الإرهابيين الفلسطينيين الذين يمثلون المقابل الموضوعي للهنود الحمر في حالة أمريكا والسكان الأصليين في حالة أستراليا، وحتى سكان المستعمرات "المتخلفين" الذين تعرضوا للإبادة من ناميبيا إلى الجزائر مرورا بدول كثيرة عبر العالم تم إخضاعها ضمن حملة "التمدين" الغربية.
هذا التحول في الخطاب المدافع عن المشروع الصهيوني فرضته حالة الذعر من تحول الرأي العام الغربي في أوساط الشباب والأوساط الجامعية لصالح القضية الفلسطينية وتعرض السردية الصهيونية إلى تمحيص غير مسبوق كشف التناقضات والأكاذيب التي بنيت عليها.
على هذا المستوى يبدو الكيان الصهيوني وكأنه يجر الغرب نحو ورطة أخلاقية كبيرة تزيد من حدة الاستقطاب السياسي الداخلي وتعمق الشرخ بين النخب السياسية وفئات مؤثرة في المجتمع، خاصة طلاب الجامعات والأجيال الجديدة من المنخرطين في العمل السياسي، وهو ما قد يكون علامة على بداية مرحلة أفول هذه القوى، مرحلة قد تطول لكن إيقافها يبدو مستحيلا.