الإنسان بين بسط الحياة وقبضة الموت

Photo

لطالما اعتبر الموت حقيقة قظّت مضجع الإنسان وحقّ لا مفرّ منه ,فهو معضلة وجوده وفي عديد الأحيان الطامّة الكبرى فهو المفرّق بين الأهل والأحباب والخلاّن والجيران المغيّب للذوات القاطع للأحلام القابر للأجساد والمفني للأسقام.

قد يموت الفتى في ريعان الشّباب ويعمّر الشّيخ الهرم إلى ارذل العمر وتلك مقتضيات ومجريات حياة الفرد فكل له أهليته الوراثيّة وكفايته البيئيّة للبقاء أو القضاء إلى ما شاء الله وذلك ضمن ما تحمله الأعيان الثابتة في اصول وجودها من استعداد وكفاية تجعل الموت قريبا أو بعيدا نسبيّا في الزّمن الإنساني ,إذ لا أحد يسعى للموت بأقدامه وإقدامه وجوارحه ووجدانه إلاّ المنتحر اليائس من وجوده المتهافت المتهالك الخائب أو السّاعي لنيل شرف الشّهادة الشّجاع المقارع ,لأنّ الموت يمثلّ كابوسا للإنسان ولغزا محيّرا وقضاء لا راد له.

إذا سكن وجدان الإنسان حبّ البقاء واجتاحته الأحلام وغمرته الأماني وتشبّث بالدّنيا كأنه يعيش ابدا كان الموت سيفا قاطعا ورادعا حاسما لغريزة البقاء ,قد تنسج اكفان الفتى في الغيب وهو ساه غافل متفاعل في الزمان والمكان كأنه سيخلد وينسى أنه قد يموت غد أو بعد برهة فآفة الإنسان الّنسيان والنّفس لا ترى الموت نصب العين وهي تسارع. إنّ مصير الإنسان في بسط الحياة مرتبط بالقابليّة الوراثية والاستعداد البيئي وما قبضة الموت التّي تترصّده إلاّ نتاج للبعدين الآخرين. *الأهليّة الوراثيّة :هي الإمكانيّة الجينيّة ,ما يرثه الشّخص من أصوله من مورّثات حاملة لملامحه الظاهريّة والباطنية فقد ينقل إليه امراضا يرثها من آبائه وأجداده.

الشّفرة الوراثيّة تنظّم من الوهلة الأولى لحياة الفرد حتّى الموت. وكذلك النمو والتنميّة وأداء الفرد ,فالقابليّة الوراثيّة استعداد الشّخص للحياة والعيش والاستمرار . *الكفايّة البيئيّة : هي أهليّة الفرد واستعداده وقدرته للتكيّف والتأقلم مع العوامل الخارجية و بيئته وضغط المكان طيلة حياته وقد تعترضه صعوبات وعراقيل وعقبات حادّة أو هيّنة فسلوكياته نتاج استيعابه لظروفه الموضوعيّة وتبصّره بواقعه.

إنّ استجابة الفرد لعالمه الخارجي بسلوكيات مختلفة تمكنّه من التأقلم والثبات والاستقرار أو الاختلال والخلل والزّوال. فكلّ يمارس اتصال ببيئته تمكّنه من الحياة بطريقته أو القضاء تحت تأثيراتها وضغوطاتها . الموت الحتميّ سنّة الحياة وقانون أبديّ مسلّط على كل مخلوق وكما قيل " ومن لم يمت بالسّيف مات بغيره تعدّدت الأسباب والموت واحد ".

الموت يمكن ان يفهم ضمن بعدي الأهليّة الوراثيّة والكفاية البيئيّة التّي قد تؤخّر أو تقرّب من موعد الموت فلا نتهّم الله في قضائه وقدره ونقسو على اقدارنا ونبكي مآلنا ومنتهانا فهي من صميم أصولنا ومصيرنا ,ويتنزل القضاء والقدر ضمن خط السببيّة وحكمة الخالق دون التعسّف على مجريات الأحداث ونهاياتها ,فقدرة الخالق مطلقة لا حدود ولا قيد لها والحكمة ترتبط بالأسباب والمسبّبات وصيرورتها وترابطها وتفاعلها .فلا نتهّم علم الله فينا فهو مطلق غير مقيّد بظروف وأزمنة وأمكنة وعلمه سبحانه حوى ما كان وما سيكون وإذا كان ما يكون قد كان بما هو كائن فقد تمّ علمه في الأزل ,فالبحر ينفد وكلمات الله لا تنفد وحكمه وحكمته وقدرته مضمّنة في اصلنا وأعياننا الثابتة الكامنة في ذواتنا.

إنّ آفة الإنسان النسيان وقلة العزم وهما صفتان اختص بهما آدم أبو البشر فتسببتا في نزوله من حضرة مولاه من عالم الأنوار إلى عالم الحسّ والشّهادة وحالت الحجب وما ثمّ إلاّ القواطع فشمّ شذى المعاني الساميّة فهي في الخلق ضائعة.

من كان كيّسا كان حجابه الأنوار وهان الموت واستخف به وخفت سطوته ,اما العاجز الذّي اتّبع هواه وتمنّى على الله الأماني كان حجابه الظلمة فيقهره الموت بصولته ويرهقه بخطرته ويرهبه بطلّته على اهله وأحبابه فلا بجد له تفسيرا إلا الركون إلى القضاء والقدر فيذكر بان "لكل اجل كتاب " و"إن لله وإنّ إليه راجعون " فيستقر ويثبت ويواصل مسار زمانه ويستمر في اريحيّة الحياة ويبقى قوس الموت موتورا يصيب في جولته القادمة من يصيب ولا تخطئ رميته , فلله درّك يا موت ما أقساك وما أعدلك مع بني البشر لحكمة خلقك الله وسبقت الحياة معنى لقد "خلق الله الموت والحياة " إذ الموت حقيقة ثابتة والحياة حقيقة زائلة فانية جسر عبور .

التقوى استعداد للرحيل فالحياة ان تغترّ والموت ان تعتبر . لساع ان يسعى بحذر فلا يحمّل قضاء الله وقدره كل مآسيه وأحزانه وأوجاعه وآلامه بل ابحث ايها الإنسان في خباياك وفي مكنون وجدانك وأصل وجودك عن سرّ بقاءك واستمرارك واحفظ بذرتك ولا تخاطر براسك وفتّش وواصل البحث والتدقيق لعلّك تعثر على كنزك وينفجر ينبوع سعادتك ,فأنت الذات والمجامع ونفسك حجابك وأصل دائك إن عالجتها وأحسنت تربيتها وقيادتها وعت معاني الوجود وخضعت لنواميس الكون راضيّة مرضيّة .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات