واقع وآلام مستقبل وآمال…

Photo

لا يمكن لعاقل أن ينكر عيانا بحثا وتمحيصا يقينا معاني وحقائق آلام واقعنا العربي بجراحاته وانتكاساته وكذالك الظروف العصيبة الصعبة لأمّة الإسلام ومقتضياتها وتحدياتها فما زال الفقر والجهل والمرض يخيّم على ظروف سير الحياة وواقع الحال ومازال الإستعمار يراوح مكانه في الوطن العربي والأمّة الإسلامية يترصّد يتصيّد ينجز أهدافه ضمن مخططاته ومصالحه .

فأين العلّة وأين الدّاء والخلل لتأخّرنا وتقهقرنا وعدم نهضتنا وقفزتنا ؟؟؟ فليس في أصلنا العربي عيب ولا به مورّثات (gènes)تحيلنا للموت والعدم ,ولا من جذر انتسابنا للإسلام من عار,ولكن مقتضيات واقعنا الموضوعي وشروطه ومكامن ذواتنا فيهم يكمن الخور والخلل ,فلا يمكن أن تكون الخيبة التخلّف التأخر الجهل الاستبداد وعدم التنظّم والانضباط والتجزئة والاستعمار طبعنا وطبيعتنا وقدرنا الحتمي وقضاءنا الذي لا راد له. فهل يمكن اعتبار أغلبية العرب همج رعاع غفل سذج وأمّة الإسلام غبار وغثاء السيل؟؟؟

1-شواهد ودلالات :

لقد تقدمت الإنسانية بمختلف أطيافها وأجناسها في ركب الحضارة والتقدّم والإزدهار وتخلّفنا نحن وزادت آلامنا وكبواتنا وتقهقرنا . فلماذا هذا القدر الاجتماعي الدولي والحضاري المقيت المتخلّف والمهزوم لوطن وأمّة تتباهى بمخزونها وموروثها وتتعالى بمثلها وقيمها وتطالع بالوهم؟فأين المبادئ والثوابت المصالح والأهداف لأمّة تحترم نفسها وتدرك غاياتها ؟؟؟

لو سلمنا بهذا الواقع المادي الموضوعي والمعنوي لأمكن لنا فهم أنّ الوطن يزخر بالهمج الرعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ,وأضحى مرتعا للطبقة الانتهازية والاستبدادية من حكّام ملوك سلاطين وأعيانهم وأعوانهم وأتباعهم وأباطرة الفساد. واقعنا أثر مخدّر وحياتنا عاديّة نفتقد الإبداع والعبقرية ونكرّس العادة ,تترسب في بواطننا بواعث وسلوكيات ركيكة بليدة وبذور لنفوس مريضة معتلّة معقّدة غير منتجة وإن أنتجت فواقع غير سويّ مشوّه لا يرتقي إلى الإبداع ولا يعانق الكمال الإنساني ,إذ كيف يبدع ويتميّز من هو مستلب غير حرّ غافل جاهل لاه واهم مغرور متكبّر متعجرف يجرّه الواقع وتحيط به العادة فتقيّده ويقيّده عقله ومفهومه وتمثّلاته فهو له رادع ,"وما من مصرّح إلا جاهل ومخادع" إلا ما رحم الله وقليل من عباد الله الشكور.

لنتحوّل من الخمول والسبات والتأثّر الحضاري والإنقياد والإستلاب إلى النشاط والفاعلية والجدوى الحضارية والتاثير لا بد من التأسيس والبناء من جديد لذهنية عمليّة سلوكيّة ذات بعد ومعنى أرواح معاني لا روح أواني قيّم مبادئ علم يعقبه عمل وإخلاص ,لنحمل معاني صادقة وقيّم نبيلة في باطننا وضمائرنا ليرتسم ظاهرا في تعابيرنا وخلجاتنا فنحقّق يقينا يترائ للعيان جليا ظاهرا سلوكا قويما يخلب الفؤاد يؤثر ينمو يزدهر يتماهى ليتواصل "لأن من لا يرى مفلح لا يفلح" .

لزاما معالجة البعد العقلي(العلمي) والبعد السلوكي(العملي) والبعد النفسي(المعنوي) لذواتنا لتحقيق الشخصيّة السويّة الكاملة القادرة على التأثير ورفع التحدّي وكسب الرهانات فتحيل واقعنا البائس من أثر مخدّر وحياة عادية إلى تحدّي واستجابة تأثير وتأثّر فحتّى تهون وقائعنا "فلندع عنّا دعوى القول في نكت الهوى"ونعد عن التناغم بالمغاني". ليس الأمر نثرا وشعرا مغنى ومغنم ولا تمنّي وتحلّي وإنبساط وتفاخر, فلنحثث إذن مطايا السير والعزم لكي لا تعترينا القواطع "فثمّ أصول في الطريق لأهلها رهن إلى سبل النجاة ذرائع تمسّك بها تنجو وزن كل وارد بقسطاسها عدلا فثمّ قواطع"1.

لا مجال لإنحباس فكرنا في معاني الألم والخوف والإضطراب ولا من سبيل ومحال أن ترتعش أيادي بنّائة فإنها رسالة وأمانة فما نزرع من بذور تحصده الأجيال التاليّة فإمّا أمّة إلى نصر وتمكين أو إلى هزيمة وبوار . إنّ بناء مجتمع راقي فاعل منضبط جدّي مجدي عامل مبدع يتطلّب بناء الشخصيّة السويّة الكاملة المتزنة لأنّ كما نكون اليوم يكون واقعنا غدا لا بد من تجاوز واقع الرداءة السلبيّة السذاجة البلادة والركاكة لإن من لم يتدثّر بالعلم تعرّى بالجهل ولبس الفقر جلبابا وقد قيل صدقا. "العلم مبلغ قوم ذروة الشّرف وصاحب العلم محفوظ من التّلف يا صاحب العلم مهلا لا تدنسه بالموبقات فما للعلم من خلف العلم يرفع بيتا لاعماد له والجهل يهدم بيت العزّ والشّرف.

2- المعاني والمباني:

لقد" كان العيد إثبات الأمّة وجودها الروحاني في أجمل معانيه فأصبح إثبات الأمّة وجودها الحيواني في أكثر معانيه وكان يوم إسترواح من جدّها فعاد يوم إستراحة الضعف من ذلّة وكان يوم المبدأ فرجع يوم المادّة فليس العيد إلا إشعار هذه الأمّة بان فيها قوّة تغيير الأيام لا إشعارها بأن الأيام تتغيّر".2

أمّا الشّيطان "ما كان الشّيطان غييّا ولا غبيا وهو أذكى شعراء الكون في خياله وأبلغهم في فطنته وأدقّهم في منطقه وأقدرهم على الفتنة والسحر وبتمامه في هذا كله كان شيطان لم تسعه الجنّة إذ ليس فيها النّار ولم ترضه الرّحمة إذ ليس معها الغضب ولم يعجبه الخضوع الملائكي إذ ليس فيه الكبرياء ولم يخلص إلى الحقيقة إذ لا تحمل الحقيقة شعر أحلامه وما أتى الشيطان أحدا ولا وسوس في قلب ولا سوّل لنفس ولا أغوى من يغويه إلاّ بأسلوب شعريّ ملتبس دقيق يجعل المرء يعتقد أنّ إطراح العقل هو عقل الساعة ويفسد برهانه مهما كان قويّا إذ يرتدّ به من النفس إلى أخيلة لا تقبل البرهانات ويقطع حجّته مهما كانت دامغة إذ يعترضها بنزعة من النزعات توجّهها كيف دار بها الدّم لا كيف دار بها المنطق"3

ولقد غوى إبليس آدم في حضرة رب العالمين "فباع اليقين بشكّه والعزيمة بوهنه وإستبدل بالجذل وجلا وبالإغترار ندما "4 بهذا الأدب الرفيع والعلم القويم والفهم الذوقي الراقي التّي تتمازج فيه الحقيقة بالشريعة والطريقة لمسائلنا ومعادلاتنا وأحوال منازلاتنا نفهم نتعلّم نعلم نسلك نبني نشيّد صرح وطننا أمتنا حضارتنا وننافس الأمم الأخرى بأخلاقنا واعمالنا وإنجازاتنا نؤثر في مجريات الأحداث ونطبع الواقع بلمساتنا وتكون لكلمتنا وقعا ولوقعنا ركزا ولحضورنا قوّة وقانون ولكن هيهات كما يقول الإمام علي إبن أبي طالب"لا يمنع الضيّم الذّليل ولا يدرك الحقّ إلا بالجدّ".

ولكن وإن كانت أمتنا تشكو وتعاني من ويلات التخلّف الجهل الخمول الوهم السلبية الفرقة الإستلاب والإستعمار لا يزال وراء ذلك كله طبيعتها الخيّرة الولاّدة أي إتصالها بمصدر الوحي كل فضائل العقيدة والدّين "الخير فيّ وفي أمتي إلى قيام السّاعة"كما عبّر عن ذلك سيّد الآنام عليه وعلى آله أفضل الصلوات والسلام.

فما على قوى الخير والحقّ والصدق والفضيلة و كل من إنطبع في فؤاده رسم الحقّ وبذرة الخير أن يسعى جاهدا كادحا وأن تتوحّد كل الطاقات على إختلاف الوانها وإختصاصاتها للعمل الجدّي المستمر لإيجاد آليات وحلول مجديّة فعّالة لمعالجة البعد العقلي السلوكي والنفسي العملي العلمي والمعنوي لتغيير واقعنا وإنتاج واقع مغاير ذا مشهد وصورة مخالفة تنمحي فيه السلوكيات البائسة اليائسة ولا تجد الطبقة الإنتهازيّة المقيتة اللئيمة وأعوانها مكانا ووجودا أو لينحسر دورها فتنكمش لأن الواقع أصبح شبيها بإبن اللبون "لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب".

إذا خرقت الأمّة من نفسها العوائد الحسيّة بالعمل الدؤوب وبالرياضات القهرية خرقت لها عوائدها الحسيّة وإذا خرقت من نفسها عوائدها المعنوية خرقت لها عوائدها الباطنة لإنها عملت بما تعلم يورثها الله علم ما لا تعلم فتنجلي صورة ومشهد لواقع أمّة ترتقي بلطائفها وبهجتها وتجلّيها لتنطمس كثائفها وتنحسر شواغلها وشواغبها ويعلى بناء الأمّة بين الأمم ف"هذا يصيد وهذا يأكل السمك بإفتراش المدر وإستناد الحجر وركوب الخطر وإدمان السّهر وإصطحاب السّفر وكثرة النّظر وإعمال الفكر". آملين أن لا تضيع في البيداء عقال بعيرنا ونصبح يتامى العلم والأدب فلا يسمع لنا ركزا وتنطفئ أنوارنا وتأفل شمسنا لأنّ "

إذا الإيمان ضاع فلا آمان"وكذلك"إنما الأمم الأخلاق". ولقد بصّرنا إن أبصرنا وأسمعنا إن سمعنا وهدينا إن إهتدينا ,فلقد صدق الحقّ سبحانه وتعالى"لا يغيّروا الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم".


الهوامش

1: عبد القادر الجيلاني (فتوح الغيب)

2-3:مصطفى صادق الرافعي (من وحي القلم)

4: الإمام علي إبن أبي طالب (علي والفلسفة)

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات