تحقّق وظيفة التغذيّة الحياة للإنسان وتمدّه بالطّاقة الضروريّة لأداء نشاطه ثم تليها وظيفة الإتّصال ليتواصل مع بيئته ويتكيّف وأخيرا وظيفة التّكاثر وهي اللاحقة لما سبقها لأنها تتطلّب نضجا جنسيا وزمنا بيولوجيّا محدّدا.
إذا تعتبر وظيفة التغذيّة وظيفة هامة فهي السابقة وغيرها لاحقا فهي الأساسية وبدونها تنعدم حياة الفرد وبإختلال أداء أجهزتها يعطب النّظام الصحي للفرد وينخرم. لفهم الإنسان وإعادة ترميز ذاته التّي تحتويه والأشياء التي تحيط به أملا لإعطاء معنى لحياته وتفادي السّقوط في أزمة المعنى فلا بد من تبيّن أساسياته التي بها يعيش وفهم طبيعته من ضرورياته التي بها يحيا ويستمر.
الإنسان كائن حيّ عاشب بإمتياز فهو يقتني ويستهلك لذائذ الدّنيا وخيراتها في مأدبتها الأولى وحساءه الحيوي شأنه شأن الكائنات العاشبة الأخرى التي تستمدّ غذائها مباشرة ممّا توفّره النّباتات الخضراء فقوارضنا النفسيّة وقواطعنا العقليّة الفاعلة تسحق وتطحن وتقتلع ما بحوزتها ثم يتحفّز السلوك ليتمّم الفعل ,كما أن الإنسان مجترّ عقليّا ونفسيّا وقلبيا لرسوخ وتكرار ما تعوّد عليه من آراء وافكار وممارسات احتلت حيز عقله الباطن ولاوعيه وأناه الأعلى.
إن سار في دربه وزمانه ولم يغيّر تفكيره وطبعه ومزاجه وسلوكه فله من مخزن ومستودع ذاته خبرته وكفايته ومهارته لرؤيته الانطباعية وسلوكه النّمطي وإن هو غيّر تفكيره بعد نقد ونقض لما فيه فقالب رؤيته القديمة وممارساته وخبرته حاضرا غير مفارق للاوعيه إذ أنه غيّر زاوية بزاوية أخرى للرؤية والتفسير ولم يخرج من نفسه ولم يعبرها ولم يتجاوز بل غيّر لباس بلباس والقالب واحد باق فمعنى الإنسان لا يحمل إلا معناه فقد اصبحت الذّات والموضوع مقعدا وموطنا لا طريقا ومعبرا .
فمن يستطيع ان يتجاوز ذاته ويخرج من لبوس نفسه وعقله ويتجرّد من كل ذلك؟ فمن يخلع النّعلين بالخروج من النّفس والجسد؟ أليس كل عابر معه جهته وإليها يتوجّه وكل سائر معه طريقته حيث مقامه ومقيمه الذّي أقام فيه مستكينا مستقرا مسترخيا.
ومن النّاس من ترسّخت حيوانيته واستقرّت غرائزه في جوهر ذاته ومعناه كمحرّك اساسي له فهو لاحم بإمتياز آكل لحوم الحيوانات ولحوم البشر كيدا وحقدا وحسدا وقتلا وإحتقارا وغيبة . (أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميّتا فكرهتموه )صدق الله العظيم إن بطن الإنسان المعنوي شبيه ببطنه ومعدته فأجهزته التي ترتبط بوظيفة التغذية (كالهضم والإمتصاص والدوران والتنفّس والإخراج) تشتغل جميعا في تناسق ونظام لتوفير الطاقة الضرورية لنشاطه وضمان حياته وبقائه وأما عقله ونفسه وقلبه فهي عناصر وادوات مرتبطة ببطنه المعنوي فجشعه وطمعه وشرهه وحرصه وعدم ورعه كلها مظاهر وإنعكاس لكينونته المعنوية الباطنيّة الخفيّة التي تخفى عنه فيهتم بماكله ومشربه وملبسه وحظوظه الدنيويّة وإنّه لمتوثّب لنيل ما يهوى ويرغب .
معدة معنويّة في عقل الإنسان وقلبه ونفسه ليسارع ويحرص فليس له إلاّ العلاج بمعاني الجوع من معاني الدّنيا وزينتها "فلا يختلف الناس ببطونهم واحكام هذه البطون على العقل والعاطفة فمن البطن نكبة الإنسانيّة وهو العقل العملي على الأرض ". أليست القاعدة الوقائيّة العلاجيّة "صوموا تصحوا" صدق رسول الله صل اللهم عليه وآله.
لا صعود وإرتقاء وعبور وتجاوز دون ربط الأحزمة وكبح الشهوات وقمع اللّذات وإخضاع وتكميم وإسكات رغبات النفس وهزيمتها ولا خروج من سيطرة العالم المادّي إلا بالتجرّد من النفس "فإنما الأحوال لا تبلغ بالعلم وإنّما بالمعاناة".