تكتونيك الأخلاق والقيّم

Photo

زمن لا كالأزمان أحداث صادمة وظواهر محيّرة للألباب شباب يفارق الحياة بسيف اليأس والآخر يغادر ويهاجر على مراكب الموت مغامرا مقامرا بحياته والبعض الآخر يتبنى نظريات ومناهج عبثيّة عدميّة قاتلة للذّات البشريّة . أيحقّ للإنسان أن يعبد الشّيطان وهو ألدّ أعداءه؟ ! كيف نفهم جرائما يندّى لها الجبين وتشيب لها الولدان من فضاعتها وبشاعتها وغرابتها ؟ فمن شتّى أنواع الاغتصاب إلى مختلف أنواع الشّذوذ وإلى عديد مظاهر العقوق والعصيان . هل أصبح المجتمع خزّانا للانحرافات والتشوّهات وصولة للباطل ؟فهل يحتوي مجتمعنا على مولّدات الجريمة (Criminogène) تتحوّل حال تفاعلها مع لوثات الحسّ وغبش الواقع ومعوقاته إلى جرائم صادمة لم نتوقعها في مسار زماننا وفي غمرة مشاغلنا وشواغلنا .

إنها يقظة غرائز وأحاسيس نفوس يائسة جانحة مشوّهة الضمير والإحساس متوثّبة لفعل كل الموبقات والمحرّمات وانتهاك السّلم الاجتماعي وأمنه.

هل غاب الحق والخير والجمال والحياء والعفاف حقيقة ؟

1-طيّات وإنكسارات(plis _failles) قيميّة وأخلاقيّة :

كما يتسبّب تغيّر المناخ في تدهور حياة الكائنات الحيّة فينقرض البعض منها ويؤدي إلى تناقص التنوّع البيولوجي ,فإنّ المناخ الثقافي-الاجتماعي والروحي والسياسي -الاقتصادي يؤثر في النّسيج المجتمعي والقيّم السائدة والعادات الموروثة لينسخ معاني وينتج مباني فتغيب ذوات وتضمحل ّ أخرى.

ما نلحظه من ظواهر ومظاهر وسلوكيات بشريّة مناقضة للفطرة السويّة ومنسجمة مع التشوّهات الخلقيّة والإنفصامات الشخصيّة ,وما نشهده من أحداث صادمة وفواجع ومآسي لمختلف أنواع الجرائم من قتل واغتصاب وانتحار وشذوذ وعقوق ,هو نتاج لمؤثرات ومنبّهات وتحفيزات وإثارات متتالية ومتواترة من برامج إعلاميّة تافهة مشبوهة لا نعلم خلفيتها ومقصدها وكذلك من مشاريع غير متأصلة ومدروسة تستبدل العادات والقيّم والثوابت بالرؤى والأفكار والطرح الجديد " هؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعا ", ومن مناهج خفيّة لدوائر وأشخاص وجمعيات لا تريد لوطننا الرفاهية ولشبابنا الخير تسعى لسلب ضميره ونسخ هويّته واجتثاثه من تربته بالكهرباء المتناوبة والصعق المركّز.

لقد ضاع معظم الشباب وتاه وسلبت إرادته الحقيقيّة واستبدل بسعي وهمي وضمير زائف وخيال عبثي عدمي.

إنها تغييرات في القيّم الجوهريّة (valeurs intrinsèques) للمجتمع بصفة تدريجيّة (graduelle) لا يلحظها الدهمائيون تقضي على القيّم الأخلاقيّة وتضعف الروابط الأسريّة تنتج جيلا جديدا بمؤشرات جديدة ومعايير وبيانات شخصيّة.( Profil) مغايرة .

فالتحوّلات التي نشهدها في روح المجتمع وجوهره لا تنبأ ولا تبشّر بأيّ خير بل بالعكس تبعث على الحيرة والأسف والحزن العميق لما آل له حالنا وأحوال شبابنا عماد المستقبل ووارث الحاضر. فلقد عمّت الانتهازية والمصلحيّة والأنانيّة وسادت النرجسيّة والغرور والرّبح السّهل والكسب اليسير وفسدت الضمائر وغشيت البصائر حجب الظلمات وهيمنت لوثة الحسّ على القلوب والنفوس فانهارت الطبقة الروحيّة وطفت الطبقة الماديّة ,فلقد استبدلت حلقات الذّكر والعلم بالمساجد بالاجتماع واللقاء في المقاهي والاستئناس بالغير (السوى) والحديث واللغو والغيبة والنميمة وقلقلة اللسان معتوّر يجامل معتوّر مثله وقاعدتهم " أنا أتكلّم إذن أنا موجود ". فيا له من بؤس وواقع أليم ! فهل يصلح مجتمعا وحاله هكذا حال ؟

من يبرمج؟ من يقرّر؟ من يحكم؟ من ينفّذ ؟ومن يسهر على حماية ووقاية شبابنا ؟من يسهر على علاج اسقام وأمراض مجتمعنا؟ومن يعبث بمصير وطننا ؟

كيف نفهم تمرّد عدد كبير من الشباب وجنوح الكثير من المراهقين وتهافتهم وانصهارهم بدون وعي وفي غفلة منهم في أيّ ظاهرة تدميريّة قاتلة لأحلامهم حاجبة لمسارهم لاغيّة لذواتهم . كيف نستسيغ ونقبل تسرّب ورسوب وفشل تلاميذ جبابرة العلم الذين تصادموا مع مدرّسيهم وملّوا مقاعد الدراسة ولم تلاؤمهم فهجروها ليحتضنهم الشّارع والمقاهي وأضحوا اتباع لكل ناعق فلقد فوّتوا على انفسهم فرصة الاستضاءة بنور العلم ولم يلجاؤا إلى ركن وثيق .

إنها إنزلاقات عديدة للشباب وذلك انسجاما وتوافقا مع إلتواءات وطيّات الواقع وانحرافاته وتطابقهم مع أهوائهم وأذواقهم وفنونهم .

لقد أصبح الشباب كائنات حيّة تجريبيّة لمخابر استنساخ البشر فهو يستجيب آليا انعكاسيا انفعاليا لما يثيره ويحفّزه وينبّهه ويدغدغ حواسه دون دراية وتراجع (recul) ,إنها المعاني المدمّرة لجوهره وكيانه وروحه.

إنّه زمن انكسارات المعاني وتحطّم الشباب أمام عقبات وصعوبات الحياة لهشاشة شخصيته وسذاجة تفكيره وسطحيّة نفسيته وخواء روحه . هل أصبح مجتمعنا حاضنة لفساد الأخلاق وموت الضمير وسبات التّفكير والتّدبير وسلب الإيمان؟؟؟

2-من زرع حصد :

إذا لم نتدارك أمرنا ونعي خطورة الوضع الأليم ونتحمّل مسؤولياتنا جميعا بتلقيح أبنائنا وشبابنا من الجراثيم الفتّاكة الاجتماعية والعابرة للقارات عبر وسائل الاتصال والتواصل بالتقنيات الحديثة وإذا لم نسعى جادّين مجتهدين لإنقاذ شبابنا من آتون الضياع والفراغ الرّوحي والخواء الثقافي فسوف تتواصل المصائب والرزايا والأحزان ونخشى على فلذات أكبادنا من قتامة واقع قادر على تحويلهم إلى ذوات عدميّة عبثيّة وكائنات انعكاسية انفعالية لا نعلم مدى ردود افعالهم وحجم تهوّرهم واندفاعهم.

فأمام الطيّات والانكسارات الحاصلة في ضمير المجتمع ووجدانه وسلوكيات أفراده لا بدّ من حلول جذريّة تهدم بنيان الباطل وتمظهراته وتقلع بذوره وفسائله وتقيم بنيان الحق والحقيقة.

لا بدّ من زلزال ثقافي-تربوي-بيداغوجي وروحاني يهزّ أركان وأسس وبنيان الباطل وقيمه السّقيمة اللئيمة التي تفترس خيريّة الإنسان وتبقي شروره وتحفّز انحرافاته ورذائله .

لا مناص من شحذ همم الشباب وتعديل بوصلتهم الأخلاقية وتذكيرهم بميثاق فطرتهم وبثّ روح الأمل وحبّ العمل ومعالجة مكامن الداء بحلول إجرائيّة واقعيّة نفعيّة ليست بالنظريّة ولا السطحيّة ولا الوهميّة التي تزرع الوهم وتبقي على الأحلام والأمنيات وتعمّق الجراح فلعلّه يصلح الحال ويتربّى الجيل في محاضن تربويّة سليمة تبني الإنسان تعزّ كرامته وتعزز وجوده وتثمّن كيانه وتثبّت شخصيته في تربته. فمن سيتولى امر الصلاح والإصلاح ؟ولان فاقد الشيء لا يعطيه فلا بد ان يتولى خيار الأمة وصالحيها ومفلحيها الأمانة الجسيمة لتغيير العقليات والأذهان والسلوكيات بتربية العقول والقلوب والنفوس.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات